ما تحدث عنه فيلم اللمبي 8 جيجا، أصبح اليوم متحققا، ولكن الشريحة التي وضعت في دماغ بطل الفيلم، صارت اليوم تؤدي مهام أخطر بكثير وتشير إلى بداية تحول نوعي في مسيرة البشرية فيما يسمى بمشروع (ما بعد الإنسانية) الذي يعبر عن حركة فكرية ودولية تدعم استخدام العلوم والتكنولوجيا الجديدة لتعزيز القدرة الإنسانية العقلية والفيزيائية و إلغاء أنماط من المعاناة البشرية مثل الغباء، المرض، الشيخوخة، وبالفعل تمكن أستاذ علم الأعصاب بجامعة جنوب كاليفورنيا الأمريكية ثيودور بيرجر، من اختراع عمليات زراعة الذاكرة، لكن المثير ان أحد أعلام هذا التوجه البحثيذكر أنه بعد 8 سنوات ستتحقق أول ملامح هذه المرحلة من التآزر الرقمي الإنساني، بينما حدد العام 2045 لتحقيق التزاوج البيولوجي الإلكتروني داخل الكائن البشري!
وهذا الهدف يغاير العمليات الطبية التي تستهدف العلاج من الأمراض، أو عمليات التجميل، أو صنع أطراف صناعية تؤدي وظائف الأعضاء الطبيعية.لأن أهداف مشروع (ما بعد البشرية) Transhumanism ليس إحداث تحسينات او تعديلات وإنما الوصول إلى (نسخة معدلة من الإنسان)!
وتتمسح هذا الأبحاث بمسوح علمية وطبية، ولكن هذا لا يعفيها من التساؤلات حول أغراض الجهات التي تصرف على تلك الأبحاث، التي قد تؤدي إلى السيطرة على عقول البشر،لذلك فهناك علماء آخرون يعارضونها لأسباب أخلاقية.
يقوم على مشروع "ما بعد الإنسانية" عدد من العلماء والخبراء من تخصصات مختلفة، وبعضهم خبراء عسكريون من وزارة الدفاع الأميركية التي لديها مشروع في هذا المجال يسمى (darpa).
وتعتمد الأبحاث في هذا المجال على شقين، الأول يستهدف التعرف على أسرار أداء الدماغ وكيفية تطويرها، على اعتبار ان دماغنا مثل الآلة الحاسوبية حيث تقوم بمعالجة البيانات التي تصل اليها، والتي قد تأتي من العيون، مثل أن تري أشياء، أو من الأذان كأن تسمع أصوات، وتتولى الدماغ معالجتها، ثم تعطيني نتائج معينة وبناء عليها يصدر الدماغ أوامر فكرية أو حركية لأعضاء الجسم، ومن ثم يحاول العلماء تطوير القدرات المعالجية للدماغ بحيث تكون قدرة الإنسان على استخراج البيانات والتعامل معها أسرع بكثير من المعدل المعتاد.
أما الشق الثاني فيتعلق بالذكاء الاصطناعي، حيث يرتبط مصطلح «ما بعد الإنسانية" ارتباطاً وثيقاً بالإنسان المعزّز رقمياً بصورة مكثفة، ويشيرُ إلى حالة «التفرّدية (Singularity التي وصفها عالم الحاسوب الأمريكي الشهير راي كيرزويل في كتابيه «المرحلة التفرّدية قريبة»، و «عصر الآلات الروحية"، موضحا أنهاتعني تحديداً تلك الحالة التي لا يمكن فيها للإنسان متابعة استمرارية وجوده من غير دعمٍ (جزئي أو كلي) من الوسائط الرقمية التي ستتجاوز مرحلة الوسائط الخارجية (مثل الذاكرات الحافظة للبيانات، والهواتف النقالة.. إلخ)، لكي تصل إلى مرحلة التداخل البيولوجي مع وظائف الكائن الحي (الشرائح الإلكترونية المزروعة بالدماغ البشري، وأجهزة تدعيم السمع أو الرؤية.. إلخ)، ويرى كيرزويل أن بعد العام2029، لا بد للكائن البشري من أن يستعين، بشكل من أشكال المؤازرة الرقمية الجزئية. أما لحظة التحوّل التفرّدي الثوري العميق والشامل، فيرى المؤلف انها ستحصل مع عام 2045! وحينها، لن يستطيع الكائن البشري التعامل مع بيئته من غير مُعالِجات للمعلومات والبيانات تفوق قدرته الذاتية، مهما توفّر على قدرات بيولوجية وعقلية متفوقة.
العجيب ان هذه التنبؤات التي تحدث عنها راي كيرزويل عام 2005 ، قد ظهرت تطبيقات لها على أرض الواقع أواخر أغسطس 2020 حيث عرضت ، الشريحة التى سيتم زرعها داخل الدماغ. ويتم ربطها بخيوط إلكترونية مع الخلايا العصبية فوق القشرة المخيةداخل الدماغ. هذه الخيوط ستتواصل بشكل لاسلكى مع جهاز صغير مثبت خلف الأذن ومتصل بالإنترنت، وقد تم تجربتها على عدد من الحيوانات وأثبتت نجاحا.
وهى محاولة لدمج عمل الدماغ مع الأجهزة الإلكترونية عبر الذكاء الاصطناعى. ما يعنى نقل المعلومات مباشرة من الدماغ للخارج أو استقبالها. وكأن هناك(فلاشة) مثبتة فى الدماغ ترسل منه إشارات، هذه الإشارات قد تكون أفكارا أو أوامر لفعل شيء محدد. وهذه الشريحة المتصلة بالإنترنت ستتمكن من قراءة كل أنشطة الدماغ البشرى وكيف يفكر. كما ستحدث طفرة فى علاج بعض الأمراض العصبية والزهايمر وفقدان الذاكرة والسمع وإصابات الحبل الشوكى. ويمكن أن تتحكم مستقبلا فى الذكريات والأحلام.
وهو ما يمكن أن يفتح أبوابا للتخاطر الفكرى بين البشر دون كلام وكذلك الدخول على الإنترنت والبحث عن أى معلومة بالعقل فقط،. هذا يعكس الجانب المضيء من القصة، ولكن هناك جانب مظلم منها وهو الأخطر. (وللحديث بقية)
التعليقات