ليس إضطرابا أن نرتجف أحيانا بلا منطق، فقد يكونوا مروا بمخيلتنا أولئك البعيدون المخلدون المقيمون بداخلنا، والغريب أننى أتناثر من داخلى مثل شظايا زجاجية ولا أبدو من الخارج غير انسان عادى، جدا عادى وذلك هو الأشد فتكا، لا بأس..
فاليوم أنا لست على ميعاد معك ولكن ربما نلتقى، حتما سنلتقى.. أشتهى عناق طويل أبدي ومجنون معك وأن أدس وجهي فى قبضة قلبك وأغفو للأبد، وعند اللقاء لا شئ هناك سوى دقات قلب غير منتظمة وشهيق له صوت كشهقة لهفة أرهقها البعاد.
"أسمر" إنه ليس لونه فقط بل اسمه، هكذا ينادونه "الأسمر"، يحب زوجته كثيرا ولكنها رحلت هى وجنينها فى آنٍ واحد، لم يجبر على الزواج ثانية من "سلطانة"، ولكن هذا هو الأسمر إنه الرجل الأشجع على الإطلاق صاحب الخلق النبيل المعروف بين عشيرته بجنوب سيناء..
من هى "سلطانة"؟ ذات العيون ذو السواد الحالك والشعر الغجرى كما قال ووصف نزار قباني (يسافر فى كل الدنيا)، يصل قرطها من الأذن إلى الأنف وكأن هناك من يحلق بين إياهما ويتأرحج على سلسلة ذهبية بينهما يتأمل حسن صنع الخالق، ولو أدركت تلك الرسوم المصبوبة بالحناء فوق كعبها وعلى سواعدها فأنت من الهالكين، لا لا ترمق شامتها التى اعتلت شفتيها فربما تلقى مصرعك...
إنها إبنة شيخ القبيلة "سلطانة".. لم تجرؤ فتاة من فتيات العشيرة على الإقبال على ما فعلته سلطانة ولا حتى بخيالها ، إنها الطامة الكبرى أن تتزوج إبنة شيخ القبيلة رجلاً ليس منهم رغم أنف الجميع، لابد أن تُقتَل، تُمزّق إربا إربا أو تُدْفَن حية، كيف لشيخ القبيلة أن يغامر ببقائها حية؟ غلبته مشاعر الأبوة ولم يقتلها حين أتى بها بطائرته الخاصة من قلب عاصمة مصر ولم يستطع زوجها أن يتفوه بكلمة فربما تقطع رأسه وتغادر جسده، ثم ألقى بها على الأرض عند ساحة المنزل والدماء تفيض من جسدها والسماء قد غشيتها ظلمة وزمهرير، وهى تتوسل إليه أن يعتقها، سكن المكان من حولها وخلا من كل أطياف البشر عداه، عدا "الأسمر" هو من كان شاهد على الجلبة الصامتة بين الشيخ وابنته خشية أن يعلم أحد أهل العشيرة، إقترب الأسمر بهدوءٍ وعينين سارحتين هائمتين كعادتهما قابضا بيد الشيخ قائلا : إياك والدم إياك عنها شيخنا، أعلمُ كل شئ حدث فى الخفاء وسأصلحه أنا فى العلن، فما أن تمضى عدتها سأكون زوج السلطانة إبنة شيخ القبيلة وانا أحق بها على سنة الله ورسوله.
إنتهت أشهر العدة والعرس أقيم كما تقام الأعراس بالأساطير، إنها ليلة من كتاب ألف ليلة وليلة.
أسمر: أنتِ الآن زوجة الأسمر أتعلمين من هو الأسمر؟
ردت سلطانة بكبرياء: أجل أعلم! أتعلم أنت من هي السلطانة؟
إستطرد قائلا: لا.. لا أريد ولكنك هنا لخدمتى فقط لن اقترب منك وإن أغويتنى، لن تدخل حياتى امرأة قط بعد زوجتى.
سلطانة بغرور و تحدي: أتأمل أن تخدمك السلطانة أو أن تقترب منك؟
أسمر : إرفضى إن كنتى تستطيعين
سلطانة بغضب عارم عاقدة حاجبيها: وغد
لم يتردد أسمر عن صفع سلطانة بشدة حتى نزفت الدماء من فمها وانصرفت باكية إلى غرفتها، محادثة نفسها رباه ماذا فعلت لأستحق كل هذا؟! كيف سأكمل حياتى مع ذلك الوغد؟ كانوا يقولون أن أسمر هو خيرة شباب العشيرة بل كل العشائر كيف لذاك الوحش أن يكون أخيرهم؟ ما الذى اقترفته كى أُحاسب هكذا؟
كان عليك التأنى يا أسمر، أحيانا تقودك الشهامة المفرطة إلى شئ مجهول لا تعرف إلى أى مدى سيقذفك، إنها أجمل من اختالت على الأرض من النساء ولكن قلبك لن يسعها وزوجتك الراحلة.. تلك النائمة طويلا بإنتظارك، لا شئ اصعب من خيانة عهدك معها، لن تنجرف وراء جمال متمرد أشبه بالخيال، ولكن ذلك الخيال أصبح حقيقة لا تنكر..
مرت الليالى والأشهر وكأن شيئًا ما يتغير كان يعاملها باللين والقسوة معا، تارة بهدوء العاصفة وتارة أخرى بهياجها وعنفوانها، إنه الطيب العنيف، لا يتقدم نحوها أبدا ولا يتأخر أيضا عن الإقتراب الخافت مثل الضوء الضعيف، آه يا ويلك يا سلطانة من حبِ الأسمر، لن تحصدين شيئاً سوى صبابة الفؤادِ من غرامِ العنيد، وبدأتِ تدخلين غرفته خِلسةً وتحدقين إليه وهو نائم وتغرقين بملامحهِ غرقا، لن تنالى شيئا وأنتِ تمشين على أطراف أصابعك وتقفين لتعبثى بأشيائه وتشمين رائحة زجاجة عطره وتتخيلينه حين يقف أمام مرآته يمشط شعره ويضع عطره، سوف تنجرفين وراء الخيال حتى يصبح حقيقة وأنتِ لا تعلمين أنه أيضا يرنو لأشيائك وكأنه يحسدها لأنها لكِ، لقد بدأ هو الآخر يتحسس ملابسك دون أن تدرين إلى أن استفاق بتلك الليلة الحزينة وعزم على رجوعك لرجلك الذى اختارتين.. حتما إنكِ له وهو لكِ فلا تحتارى كثيرًا......ذلك هو "الأسمر".
-فجر يوم جديد عند محطة القطار :-
و كأن الحزن يخيم على المكان، ولاحت الأجواء يكسوها الإنطفاء حين وقفت سلطانة خلف زجاج شرفة القطار والأسمر يدنو منها محاولا أن يشدد بأزره...
أسمر: لا أريد أن تكون الدموع آخر حديثنا يا سلطانة.
سلطانة: تلك القطرات المتلألئة بعينى لم أذرفها أمام مخلوق غيرك قط.
أسمر: ستنسين يا سلطانة صدقينى.. إذهبى لمن أختار قلبك ولا تنظرى خلفك وسأواجه أنا كل شئ هنا.
سلطانة: ولكن قلبى اختا......
أسمر مقاطعا إياها: أنتِ طالق
إن تلك الندبات الغائرة التى أحدثتها الايام بروحك يمكنك التعافى منها وإن كان من الصعب لاسيما ندبات من أحببتهم بصدق وغادروك.
التعليقات