أشعر أن الزمن يحيط بي من كل جانب، يطبق علىٰ صدري ويقلق مضجعي، الزمن شاغلي الأول والأخير.
بهذا الاقتباس من رواية (أطياف كاميليا) يمكننا أن نرىٰ البطل الرئيسي للرواية.. الزمن الذي لا مفر منه إلا إليه،
الزمن حامل الفرحة والحزن، النجاح والفشل، القوة والضعف، الحب والكره.
لا بطل غيره ولا قادر مثله علىٰ شرح الحقائق وإيضاحها..
من خلال الزمن نرىٰ فتاة صغيرة تدعىٰ (كاميليا) تصرخ ذات يوم معلنة أن عمتها قد ذابت في المرآة...هكذا بدون مبررات! اختفت العمة (كاميليا) التي سمُيت ابنة
أخيها تيمنًا بها..تاركة الصغيرة وأبويها في مرمىٰ الحيرة والألم.
كيف اختفت العمة (كاميليا) تاركة وراءها كل شيء؟! كيف ذابت في المرآة؟ لا تفسير سوىٰ عدة أوراق تركتها وراءها لا يهتم بمطالعتها سوىٰ ابنة أخيها.
تنتقل سطور الرواية فيما بعد لتجسد واقع الصغيرة (كاميليا) التي تعاني من قسوة أبيها وإيذائه غير المبرر لها بين كل فينة وأخرىٰ؛ تجلس في الشرفة يضربها، تتأخر بضع دقائق عند العودة من المدرسة يقيم لها محكمة وكأنها أجرمت جرمًا لا يُغتفر..
دائمًا تُضرب وعادة ما تهان بأقذع الشتائم كل هذا والزمن يمر بها وهي صامتة لا حول لها ولا قوة، وأمها بجانبها لا تبالي سوىٰ بأعمال المنزل.. والفتاة وحيدة لا تفكر إلا في عمتها، قراءة الكتب، والخلاص من سجن أبيها الأبدي.
تستمر الأحداث علىٰ نفس المنوال حتىٰ تقرر الفتاة الهرب إلا أنها تندم وتعود فجأة لتتعرض لأضعاف ما تتعرض له عادة من إيذاء أبيها، حتىٰ تتدخل أمها لأول مرة معلنة لزوجها اعتراضها علىٰ إيذاء فتاتها التي أوشكت لحظتها علىٰ الموت من شدة الضرب والألم .
تزداد حدة الأب وتنعزل الفتاة في غرفتها لتبدأ رحلة البحث عن عمتها.. وسرعان ما تكتشف أنهما ذات الشخص تقريبًا..
كلاهما تعرض للمحنة والحبس والألم والبحث عن الذات المفقودة في طيات الزمن ..إلا أن الفارق بينهما أنها لم تنل حرية عمتها في الاختيار..فالعمة مسئولة بنسبة كبيرة عما حدث لها..بينما هي ضحية ورثت اسم لامرأة مغضوب عليها وبعض من نظرات عينيها؛ فصارت تُعاقب بمرور الزمان علىٰ ما لم تفعل.
في أثناء رحلة البحث تكتشف الفتاة الوجه الآخر لعائلتها من خلال ماضيهم.. الأب الذي تراه يُفرغ غضبه فيها طوال اليوم ينكشف أمامها كم هو حزين مقهور يبحث عن سبيل للغفران عما فعله بأخته، وأمها سيدة المنزل التي كانت تظنها امرأة طيبة فإذا بها تراها قد دبرت وخططت للانتقام من عمتها..صديقة الأمس وعدو اليوم.
وبعد سنوات من ألم المعرفة والاختيارات الصعبة؛ وبينما تتزين الفتاة أمام المرآة القديمة استعدادًا لحضور إحدىٰ المناسبات.. ترىٰ نفسها وطيف قديم لعمتها من جديد.
الرواية تتعمد التركيز علىٰ الزمن الدائر في جنبات مدينة طنطا الصغيرة، ويجب أن أشيد بتلك النقطة فقط استطاعت الكاتبة أن تصف أدق الأماكن في المدينة دامجة إياها بحياة الأشخاص ومصائرهم... وهو ما سيشعر به القاريء أكثر إن كان من قاطني المدينة.
تقييمي الشخصي للعمل: 4.5/5
التعليقات