«تداهمك التعاسة أحيانًا كالمعزين المتتالين على منزلك دون دعوة، فما تلبث أن تعتاد وجودهم بمنزلك، حتى يتسربوا تدريجيًّا من مجلسك ويتركوك مع فراغ الصدر وخواء الدار».
بهذا الاقتباس يمكننا أن نرىٰ آثار الألم واضحة جلية علىٰ نفس البطلين السيدة (ابتسام) وولدها (أكرم) اللذين فجعهما القدر ذات يوم آخذًا ركنهما الثالث في عشهم الصغير.
هكذا تبدأ الرواية علىٰ الفاجعة الكبرىٰ؛ وتبدأ الأحداث بوحدة المرأة وولدها فلا تجد أمامها سواه لتصب عليه محبتها الغامرة... ولكن سرعان ما تلبث المحبة أن تنقلب إلىٰ قيد ثقيل.
فتتناسىٰ المرأة حق ولدها في الحياة والعمل، مبررة لنفسها أنها ضحت من أجله واكتفت به عن العالمين..فلماذا لا يكتفي هو أيضًا بها ويجعلها عالمه بأسره؟! لماذا يرفض الشاب الثلاثيني وصاية أمه ولماذا يهرع إلىٰ البلاد البعيدة ليعمل تاركًا إياها وحيدة في مرمىٰ الذكريات والألم؟!
-من وجهة نظرها- كانت تلك خيانة كبيرة لصحبتهما الطويلة، ولكنها في النهاية لا تملك سوىٰ انتظار عودة صغيرها إليها مرة أخرىٰ.
وعلىٰ الجانب الآخر من الرواية نرىٰ (أكرم) الرجل الكبير، الراشد، والمتدين ظاهريًا يخفي بين طيات نفسه الفتىٰ الصغير الفاقد لطَيف أبيه البعيد.
فلا استطاع أن يحل محل أبيه في نفسه ونفس أمه..ولا استطاع أن يصبح ذاته المستقلة المنفردة.
فوقعت روحه ما بين بين .. وتاه في البلدة البعيدة التي لا تعطي للأديان وزنًا ولا قيمة..وصار أسير تقاليد (شنجن)
وتعتبر تلك النقطة هي الخط الفاصل في حياة ( أكرم)
حيث من خلالها يتبين للقاريء كيف يمكن للمرء أن يصاب بازدواج المعايير تدريجيًا.. فيصير دون أن يدري أسيرًا لما لم يرده يومًا.
الرواية تتمتع بلغة سلسلة منضبطة تدفع القاريء لإنهائها في وقت قصير بحثًا عن نهاية مناسبة للأبطال التائهين في جب صراعاتهم النفسية.
تقييمي الشخصي للعمل: 5/5
التعليقات