كيف وصلنا إلى هذا الكم من العشوائية في تبادل المعلومات؟ وكيف أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي مصدر المعلومات للغالبية؟ ولماذا غاب دور الكتاب حتى الكتب الإلكترونية إلا قليلاً؟ وهل من المقبول أن تظل الأجيال القادمة أسرى معلومات النت والصفحات المفبركة لخدمة أهداف أخرى؟ كل ما سبق هي أسئلة من ضمن الكثير يجب الإجابة عليه والتصدي له.
وبسهولة شديدة، يمكن الآن تبادل المعلومات والبيانات، دون التأكد من صحتها عبر صفحات يتم إنشائها لخدمة هذه الأغراض، ثم يتم تداولها دون معرفة أو دراية، أو التأكد منها، ربما لأن بعضها يحتوى على معلومات، أو شعور وطني جاد، لكنه في غالبية الأمر هو يشبه "السم في العسل".
وشهدت الفترة الأخيرة تداول الكثير من الأرقام والبيانات، خاصة في ظل الأزمة الراهنة بين مصر والسودان من ناحية، وإثيوبيا من ناحية أخرى بشأن سد النهضة، وتصريحات عن تطور الأوضاع دون وجود مصدر رسمي لها، والإكتفاء بين النشطاء بتبادل البوستات، والصور المعبرة عن بعض المواقف، سواء بالجد أو بالسخرية، لتنشتر بين الصفحات والنشطاء كالنار في الهشيم.
وتطور الأمر إلى نشر ما يتعلق بمؤسسات سيادية، سواء في مصر أو غيرها من الدول، والحديث هنا لايعني اقتصار الأمر على مستخدمي مواقع التواصل في مصر، ولكن في غالبية الدول، وهو الأمر الذي اعتبره ممنهجاً ويحمل أهدافاً خبيثة، ويحقق مصالح بعض الدول بنشر السموم في بعض الأخبار أو التعليقات التي تحمل بعض الحقائق، مقترنة بالكثير من المغالطات لعدم التشكيك فيها.
ولابد أن تعرف الأجيال الجديدة أن أساليب الحروب تغيرت كثيراً، وتعلمنا داخل مؤسسات الدولة، خاصة أكاديمية ناصر العسكرية العليا كيف تدار حروب الجيل الرابع حالياً التي تستهدف الحالة النفسية، ونشر الفوضى والاضطرابات وقتل الهوية دون اللجوء لاستخدام رصاصة واحدة أو دبابة، وأصبح إنشاء البوستات مجهولة الهوية جزءاً من هذه الحروب اللعينة.
ولم تعد مصادر الأخبار والمعلومات والبيانات معلومة كما كان مسبقاً، بل نجد الآن إنشاء منصات إلكترونية، ومواقع إخبارية، ووكالات إخبارية لخدمة أهداف الدولة، وكتابة ونشر المواد الإعلامية بالطريقة التي تخدم مصالحهم، ومنها الكثير الذي يستهدف فقد ثقة المواطن المصري في مؤسسات دولته، وكذلك الأمر في بعض الدول لتنفيذ أجندة غربية بعيدة المدى في هذا الأمر.
وتبادل المعلومات والبيانات والأخبار عبر الصفحات بهذا الشكل يجب ألا يستمر طويلاً، خاصة في ظل وجود مؤسسات معنية، وتستطيع وقف نزيف اللامعرفة، واللا ثقافة، ومن ثم اللا وطنية، وفقدان الثقة بالذات والوطن، ويوجد الكثير من القوانين التي يجب تطبيقها للحد من هذا الخطر الذي يستهدف خلق الأجيال الضعيفة، وأمية المتعلمين.
وإذا كان ما سُمي بـ"الربيع العربي" حمل الكثير من مخططات الفوضى والإرباك تجاه استقرار الدول وأنظمتها السياسية، وربما حدودها، فإن ما يحدث حالياً أشد خطراً كونه يحمل حالة من تغييب الوعي والثقافة لمُدمني الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وفوضى المعلومات والبيانات، وجعلهم فريسة سهلة للأكاذيب وسموم الخارج، والتشكيك في ثوابت الوطن وجهود الدولة نحو الأفضل.
وإن كنا لا نعيش الآن حروباً عالمية بالمعنى التقليدي، فلا شك أننا نعيش أشد أنواع الحروب شراسة وهي الحروب النفسية، أو حروب الجيل الرابع ومن ثم يجب التصدي لها على مستوى الفرد، والأسرة، ومؤسسات الدولة، ولابد من وقفة حاسمة تجاه هذا الأمر، ويأتي التخوف الأكبر من تزايد هذه الموجة وقت الأزمات ، لنجد أنفسنا أمام الأرقام والمعلومات والبيانات المتضاربة تجاه قضية واحدة في يوم لا ينفع فيه الندم.
التعليقات