بقدر الأمل والتفاؤل، يأتي التخوف والقلق على مستقبل العراق الشقيقة، وبرغم إجراء الانتخابات خلال الأيام الماضية، وظهور المؤشرات الأولية للنتائج، وهي خطوة ينتظرها كل عربي محب للعراق وشعبه نحو الاستقرار، إلا أن بعض التصريحات الصادرة عن القوى التي لم تحصل على نصيب أكبر من مقاعد البرلمان توحي بالغموض.
وكان من الطبيعي أن يحصل تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر على أكثرية المقاعد، لأسباب كثيرة يعرفها كل من يتابع الشأن العراقي، وبالتالي فحصول التيار الصدري على أكثر من 70 مقعداً من إجمالي 329 مقعداً، يعطي دلالة واضحة على أحقية تيار الصدر في تشكيل الحكومة، وسط ملاحظة واضحة بضعف نسب المشاركة في الانتخابات.
ومن يتابع التصريحات الصادرة خلال الساعات الماضية بين قوى سياسية، وتيارات، وقيادات، للأسف كانت تشغل أعلى المناصب في الدولة خلال السنوات الماضية تجاه الانتخابات، وعدم التسليم بنتائج الانتخابات الأولية يوحي بالقلق، والغموض الذي يمكن أن يؤثر سلباً على الاستقرار السياسي في العراق، خاصة بعض التيارات المسلحة.
كذلك ما نقرأه تجاه محاولات الالتفاف على الدستور بشأن تشكيل الحكومة، وعدم أحقية تيار الصدر في تشكيلها حال قيام الائتلافات الأخرى داخل البرلمان بتشكيل تحالف يضم عدداً أكبر من مقاعد التيار الصدري، وسط الجدل القانوني والدستوري تجاه ذلك، وهي أمور تعني وجود حالة من الاضطراب، بل وتشويه العملية الانتخابية برمتها.
وبالتأكيد، فإن حديثي لايعني الانحياز لتيار دون آخر، ولا يعنينا انتماء الفائز بالأغلبية، ولا الحديث في هذا الشأن يعني التدخل في شئون آخرين، بقدر ما يحمل الحب والخوف على مستقبل الوطن الذي يرتبط بملايين المصريين في منازلهم، ولايزال الملايين من العمالة المصرية التي عملت في العراق منذ عقود، تتذكر شوارعه ومدنه، وخيراته، وأمنه، وتأثيره عليهم حتي يومنا هذا.
وما يثير مخاوفي، كمصرية عربية تعشق العراق العريق، هو الدخول بمستقبل العملية السياسية والانتخابية في العراق إلى النفق المظلم، في وطن يعاني منذ عقود من مخططات خارجية، وتدخلات سافرة، وانقسامات داخلية، كانت كفيلة بإهدار مقدراته، والعصف بأحلام الشعب، ومعاناتهم لسنوات طويلة من آثار كل ذلك، وكان من المفترض أن يرى الشعب صورة جيدة، وتصريحات مُبشرة عن مستقبل البلاد.
ورداً على ذلك كتب مقتدى الصدري عبر حسابه بموقع "تويتر" أنه لن يتزعزع السلم الأهلي في وطنه، ولايشغله إلا سلامة الشعب وسلامة العراق، وأوصى بضبط النفس، وتقديم المصالح العامة على الخاصة، ولن تمد الايد على أي عراقي مهما كان، ومقاومة الفساد تحت طائلة القانون، لإعادة الهيبة والقوة للعراق".
ونأمل أن نرى ما يؤكد هذه التصريحات على أرض الواقع، عقب الإعلان الرسمي عن النتائج، وبدء اتخاذ الخطوات القادمة، والاستفادة القصوى من الجهود الدولية التي تبذل من أصدقاء ومحبي العراق، خاصة مصر، ولعل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخراً للعراق، وانعقاد قمة بغداد، بين مصر والعراق والأردن، كونها الزيارة الأولى لرئيس مصري للعراق منذ 30 عاماً تُبشر بالخير، ويجب السير في هذا الاتجاه.
إن اللحمة الوطنية، والاصطفاف الوطني العراقي لابديل عنه خلال الفترة القادمة، ومن الطبيعي أن تشهد أي عملية انتخابية بعض التجاوزات، ومن حق المتضررين اللجوء للطرق القانونية التي ارتضاها الجميع، دون تصدير هذه الحالة التي نراها الآن، والتي تثير قلق الجميع، لأن شعب العراق يحتاج الآن من يمحو آثار الماضي، وأن يتعامل مع معطيات الحاضر ومتغيراته، لبناء مستقبل أفضل يليق بالعراق وشعبه النبيل.
إن الحب الذي يملأ قلوبنا تجاه العراق غير محدود، وتبقى بعض كلمات أغنية "عراقنا" للقيصر كاظم الساهر، تعبر عما بداخلنا، وما يجب أن يدركه كل عراقي تجاه وطنه خلال المرحلة الراهنة وهي تقول "عراقنا حبيبنا في القلب والعيون..غير العراق من لنا لولاه لا نكون..توحدت أعراقنا والعزم في أعماقنا..لبيك يا عراقنا نبنيك قادمون..خذنا جميعا ضمنا لصدرك الحنون".
التعليقات