تسعى مصر دائماً خلال السنوات الأخيرة إلى مواكبة التطور التكنولوجي، وبالتأكيد كان لهذا التطور آثاره السلبية والإيجابية، من بينها إنشاء مئات الآلاف من صفحات النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بهدف تحقيق الأرباح،عبر صناعة الفيديوهات والمحتويات التي تغذي حب التطلع لدى الملايين، برؤيتها، وزيادة نسبة المشاهدة، ومن ثم توزيع الإعلانات عليها لتحقيق الربح.
وكان من الطبيعي، ألا تستمر فوضى الربح من هذه المواقع والمحتويات، خاصة أن الأمر تطور إلى صناعة مواد تتعلق بأبسط أمور الحياة اليومية، وشرحها، ومنها ما يسعى لتحقيق الأرباح عبر العلاقات الشخصية، والأسرية، واصطناع الضحك والفكاهة، وجذب الأطفال لفتح الفيديوهات لتحقيق الهدف.
وذكرنا كثيراً بأن عملية صناعة المحتوى من قبل"البلوجرز"، و"اليوتيوبرز"، لابد من وقفة تجاهها، ومن الواجب أن تحصل الدولة على ضرائب من هذه الأرباح الفوضوية- كما أحب أن أسميها، ليأتي قرار مصلحة الضرائب، بدعوة صناع المحتوى لتسجيل ملفات ضريبية، والتسجيل في القيمة المضافة إذا كانت الإيرادات تتجاوز 500 ألف جنيه لتصحيح المسار.
وأثارت بعض وسائل الإعلام، خاصة مواقع عربية ، الجدل حول دعوة مصلحة الضرائب، وترويج الدعوة على أنها تشهد الانقسام بين مؤيد ومعارض، دون التأكيد على حق الدولة في تنمية مواردها، وتحصيل الضرائب على كل عمل يهدف للربح داخل أرض الوطن، وتجاهل جهود الدولة في توفير مناخ، وسبل التقنية الخاصة بشبكة الإنترنت كي يتمكن هؤلاء من جني أرباحهم.
ومن غير المقبول أن تظل هذه المكاسب، دون رسوم أو ضرائب، سواء لحق الدولة في تحصيل الضرائب، ولكون بعض أصحاب الصفحات من مجهولي الهوية، ويستطيعون بسهولة إلغاء الصفحات، وإنشاء أخرى للهروب، ومن ثم تعد خطوة مصلحة الضرائب توثيقاً للصفحات، ومعرفة هوية أصحابها، والمواد التي تبث، ومدى ملاءمتها لقيم وعادات وتقاليد المجتمع المصري.
كما أن ضريبة الأرباح على البورصة، والتي من المقرر تنفيذها في يناير المقبل، تعد إضافة جديدة، رغم تأجيل التنفيذ لأكثر من 3سنوات، ونسمع حالياً عن معارضة البعض للتطبيق بقيمة 10% على صافي الأرباح، والمطالبة بتطبيق ضريبة الدمغة بنسبة نصف في الألف، والحديث عن تأثر البورصة بالتنفيذ المتوقع تطبيقه.
وإذا كانت الدولة تقدم خدماتها بأقصى جهد، وفي النهاية نجد البعض ينتقد هذا الأداء، فكيف يكون الأداء على ما يرام ويحقق كافة الطموحات، إذا كان هناك من يسعى للتهرب من دفع الضرائب، والتحايل على القوانين، مع العلم أن المواطن البسيط يدفع قيمة كل شئ، والخدمات المقدمة له، دون التأكد من دفع المؤسسات، أو المحلات، أو غيرها من دفع حق الدولة.
ومن غير المقبول، الإتجار بأوجاع البسطاء بأن تطبيق مثل هذه الخطوات الضريبية سيزيد من الأسعار والأعباء، لأن المواطن بالفعل يدفع قيمة كل شئ، لكن الأزمة في التهرب الضريبي، وحرمان الدولة، ومن ثم المواطن نفسه من حقوقه الضريبية التي هي أساس عملية التنمية، وتغيير نمط الحياة، والأساس الرئيسي للموازنة العامة للدولة.
وأصبح حجم الاقتصاد الموازي، أو ما يطلق عليه الاقتصاد غير الرسمي مخيفاً للغاية، والآن تسعى الدولة المصرية للوصول بحجم الضرائب إلى 983 مليار جنيه في موازنة العام المالي 2021-2022، مقابل 830 للعام المالي الحالي، أي بزيادة قدرها قرابة 18% ، الأمر الذي يعني توجيه الكثير منها للإنفاق على الخدمات العامة.
ثم تأتي عدة أسئلة منها، من المستفيد من عمليات التهرب الضريبي، إذا كانت عمليات البيع والشراء تمت بالفعل والمواطن دفع قيمتها؟ وما هو مصير التجارة الإلكترونية التي ملأت الصفحات وأصبحت محلات داخل الموبايلات؟ ومن الذي يرضى بهروب حقه في هذه الضرائب ودفعها لخزانة الدولة؟ وكيف نثق في المهاجمين لهذه الخطوات لضم الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي؟،وأسئلة أخرى كثيرة يستطيع أي مواطن أن يطرحها في هذا الصدد، وتثير الريبة والشكوك.
إن قضية التهرب الضريبي ، أصبحت جريمة مخلة بالشرف، وفي ظل تطبيق الفاتورة الإلكترونية، والتحول الرقمي، والرقمنة، سنعيش، ونلبي كافة متطلبات حيانا اليومية عبر الإنترنت من داخل المنزل، أو العمل، فيكف نقبل بكل هذا التطور التكنولوجي لتسهيل الحياة، ولا نقبل مواكبة نظم تحصيل الدولة لحقوق مواطنيها لهذا التطور؟!، لابد من وضع إطار آخر لصفحات المشاهير المسجلة لجلب الأرباح، عبر بث الفيديوهات والصور لزيادة نسبة المشاهدة، ورصد صفحات مطربي المهرجانات، وغيرهم ممن يجنون الأرباح دون تقنين أوضاعهم، وحصول الدولة على حقوقها.
التعليقات