أثبت الشعب الجزائري مؤخراً قدرته على تجاوز مرحلة الأفكار الظلامية، واتخاذ الدين ستاراً لحصد المكاسب السياسية، وذلك بعد أن ألحق بتيار جماعة الإخوان هزيمة ساحقة في انتخابات المجالس الولائية والبلدية "المحليات"، بمشاركة شعبية تقترب من 36 % وفقاً للمؤشرات غير الرسمية حتى الآن.
ومن المقرر الإعلان الرسمي للنتائج خلال أيام، بعد إجراء الانتخابات على مدار الأيام الماضية، إلا أن المؤشرات غير الرسمية واضحة المعالم، ولن يكون هناك أي تغيير، إلا نادراً، لنجد الهزيمة الساحقة والصفعة المدوية لتيار جماعة الإخوان في كافة المحافظات.
وتصدرت جبهة التحرير المركز الأول في حصد المقاعد ، ثم جاء التجمع الوطني الديمقراطي في المرتبة الثانية، وتيار المستقلين في المركز الثالث مسجلاً رقميا قياسيا في تاريخه، والمركز الرابع لجبهة المستقبل، ثم جاءت حركة مجتمع السلم "حمس" الذراع السياسية لجماعة الإخوان في المركز الخامس بعدد من المقاعد لم يصل ثُلث ما حصلت عليه جبهة التحرير.
وحقيقة الأمر، حملت الانتخابات الجزائرية في المناطق النائية دلالات كثيرة، وهي أن خطاب جماعة الإخوان الذي لم يتغير منذ عقود أصبح مستهلكاً دون جديد، كما أن نظام الانتخابات الجديد القائم على القائمة المفتوحة والتصويت التفضيلي دون مزج كان سبباً في ذلك بعد انتهاء نظام "الكوتة"، التي يبدو أن الجماعة اتخذته سبيلاً في غالبية الدول بإجراء الصفقات مع الأنظمة، ثم التشدق بالظلم والاضطهاد، إلى جانب أسباب أخرى كثيرة.
وتأتي نتائج الانتخابات كآخر خطوة للشعب الجزائري بعد استفتاء تعديل الدستور، وإجراء الانتخابات التشريعية، وهو ما يراه كثيرون بمثابة بداية حقيقية جذرية لعصر جديد بعد نظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، خاصة أن هذه الانتخابات تمثل صلب الحياة اليومية، والدليل ترشح أكثر من 115 ألف من المواطنين للانتخابات وهو 4أضعاف العدد المطلوب للفوز بالمقاعد.
إن ما حدث في الانتخابات الجزائرية، رسالة قوية لمن راهنوا على إمكانية عودة التيار الديني بمختلف اتجاهاته للمشهد السياسي بعد عقد من التوتر والفوضى في الكثير من البلدان العربية والإفريقية، خاصة بعد ما رأيناه في أفغانستان وممارسات حركة"طالبان"، كذلك من يراهنون على الأوضاع في ليبيا ونجاح بعض المرشحين المنتمين والمدعومين من التيارات الدينية، بل تسعى بعض التنظيمات لضبابية المشهد، ووقف مسيرة بناء الدولة الليبية.
لقد فعلها الشعب الجزائري الشقيق، ليثبت للعالم أجمع أن مراحل الخداع والخديعة لم تعد مُجدية، حتى وإن ظلت الخلايا النائمة للجماعة موجودة نسبياً على الأرض، لكن الأهم هو تحطيم الأفكار التي كانت سبباً في التشرذم والتفرقة وهدم الأوطان تحت شعارات دينية، بل وباسم الإسلام الذي هو برئ تماماً من المتاجرة به في حصد مكاسب سياسية رخيصة.
إن المرحلة التي يعيشها العالم الآن لا تعرف الشعارات من أي نوع، بل نرى يومياً، خاصة مع انتشار الأمراض الفيروسية أنه لا سبيل للتقدم إلا بالعلم والتقدم، وأنه لا إنجاز إلا بمواكبة التقدم التكنولوجي والبحث العلمي القائم على العقول الوطنية المخلصة، وليس سماسرة الخارج داخل الأوطان.
التعليقات