تذهب الحكاية إلى أن رجلا كان يعمل بتجارة الرقيق، قد عقد قرانه بعد أن تعثر "البيزنس"، على سيدة أقل منه سنا ولكنها أكثر مالا.
وبعد الزواج أكثر من السفر وترك الزوجة وحيدة مع جاريتها، وحدث أن ظهر في الحي "زبال" جديد، ويبدو أنه حدث استلطاف ما بينه وبين الزوجة الشابة.
وعندما صارحت زوجها الغائب دوما عن البيت برغبتها في الطلاق ضربها، فقررت إقناعه بطريقتها، واستعانت في ذلك بجاريتها المخلصة.
أسرت الجارية لسيدها أن للزوجة عشيق، ونصحته أن يتظاهر بالسفر لكي يتمكن من ضبطهما متلبسين، فراقت الفكرة للزوج الطامع في أموال زوجته الخائنة.
وبالفعل أشاع في الحي أنه سافر واختبأ قريبا من البيت في ظلام الليل منتظرا الإشارة. وبالفعل أتته الجارية لتخبره أن سيدتها الآن قد استقبلت عشيقها في حجرتها.
أخذ الزوج يقرع باب الحجرة الموصد من الداخل وهو يتوعد كأسد جريح، لكن الزوجة استغاثت بالجيران لينقذوها من اللص الذي داهم بيتها في غياب الزوج.
وعندما أكد الجيران الذين هرعوا للبيت لنجدة جارتهم أن لا أحد هنا غير الزوج، أجابتهم بصوت مذعور من وراء الباب أن زوجها مسافر. هنا انتبه الناس أن الزوج حقا لم يسافر كما أشاع، فعلل لهم كذبه برغبته في الإيقاع بزوجته وعشيقها وطالبهم أن يكونوا شهودا على الآثمة.
وبالطبع لم يكن في الحجرة سوى الزوجة التي أشهدت الجيران على قذف زوجها المخبول لها في عرضها. وذهبت للقاضي.
وبعد أن نفذ القاضي حكم الشرع في الزوج، وضربه ثمانين جلدة لاتهامه امرأة محصنة دون رؤية أو شهود، كررت الزوجة طلب الطلاق، لكن الزوج رفض.
وبينما هو نائم في ليلة، شعر الزوج بمن يقيده ويكمم فمه، لقد جلبت الزوجة عشيقها الزبال للبيت لكي يضع السكين على رقبة زوجها ويهدده بالقتل إن لم يطلقها.
وعلى مرآى ومسمع من الزوج المقيد ارتكبت الزوجة والزبال من جرائم الحب ما يخجل أكثر الناس خلاعة عن وصفه.
وفي هذه المرة لم يأمر القاضي بجلد الزوج، بل حكم بإيداعه الماريستان، وذلك بعد أن شهد الجيران أنه كان يضرب زوجته بكل قسوة، ويدعي أن رجلا شاركها في تقييده ومارس معها الفاحشة أمام عينيه، والمثل يقول: "لو المتكلم مجنون، فالمستمع عاقل".
وهمست الزوجة للزوج باستعدادها للتنازل عن الدعوى إن وافق على الطلاق، لكنه آبى، وهنا طلبت الزوجة العطوفة من القاضي أن يرحم زوجها، وأنها ستعتني به في البيت، فأثنى القاضي على حسن خلقها وأمر لها بقيد وطوق من الماريستان لتقييد المجنون منعا لخطره.
ولشهر كامل استقبلت الزوجة عشيقها على مرآى من الزوج المقيد، والذي كان يرفض باصرار تطليق زوجته.
وبعد أن يئست منه طلبت من القاضي أن يرسله للماريستان لعدم قدرتها على رعايته. وبعد شهور وسط من تؤخذ من أفواههم الحكمة، أرسل الزوج في طلب الزوجة وتعهد لها بالطلاق إن أخرجته من الماريستان.
وتنتهي الحكاية بأن الزوجة لم تقترن بعشيقها الزبال بعد طلاقها، بل ظلا على علاقتهما دون زواج، وذلك لسبب وجيه.
فعلى عكس تاجر الجواري، لم تكن منزلة الزبال الاجتماعية تؤهله للاقتران بسيدة محترمة.
لم ترد تلك الحكاية في "ألف ليلة وليلة" أو في أحد كتب الحكايات الشعبية الرخيصة، بل أوردها المستشرق الانجليزي "إدوارد وليم لين" في كتابه "المصريون المحدثون.. عاداتهم وشمائلهم".
وقد كتب "لين" كتابه المذكور بعد سنوات قضاها في مصر أثناء حكم محمد علي باشا. ويعلق "لين" على تلك الحكاية بابداء دهشته من قدرة النساء المصريات على صنع المكائد للرجال، وذلك رغم قلة حظهن من التعليم، وخضوعهن لكل القيود الاجتماعية الظالمة.
ونحن إذ نقرأ تلك الحكاية اليوم قد تنتابنا الشكوك تجاه تفاصيلها وأحداثها، التي قد تليق بفيلم كوميدي أكثر مما تليق بقصة واقعية. لكننا نعلم أن جنون الزوج ليس موجبا للطلاق إذا لم يثبت وقوع الضرر.
وربما لم ير قاضي الحكاية أن في ضرب الزوج لزوجته واتهامه لشرفها زورا ما يعد ضررا.
ورغم أن الزوج كانت ضحية لمكيدة شريرة، إلا أننا لا نستطيع التعاطف معه، فهو في النهاية لم يكن سوى نخاس.
ويبدو من الحكاية أنه لم يستطع رسم حدود فاصلة بين متطلبات عمله وحياته الزوجية.
ولم يفت "لين" بالطبع أن يخبرنا من كشف سر الحكاية التي ذاعت في القاهرة وسمعها "لين" وهو يتجول في شوارعها ويجالس أهلها، نعم.. لم يكن بالطبع سوى الجارية.
التعليقات