كان رئيس الخدم "ستيڨنسون"، بطل رواية "بقايا اليوم"، يحظى بثقة سيده "لورد دارلنجتون" الكاملة. ففضلاً عن ظهوره الدائم بمظهر أنيق جعله أشبه بأبناء الطبقة الارستقراطية الذين أمضى عمره في خدمتهم، كان "ستيڨنسون" يؤدي عمله بنوع من التفاني الذي لا يسمح بارتكاب الأخطاء. وبفضل دقته وأمانته ومراعاته لمصالح سيده، لم يكتف "اللورد" بأن يترك كل شؤون القصر المنيف في يد رئيس خدمه، بل كان يعامله معاملة الصديق، ويبوح له في بعض الأحيان بما يدور في رأسه من أفكار تتعلق بالسياسة وبمصالح بريطانيا العظمى. وكان "ستيڨنسون" بدوره يقابل هذا الامتياز العظيم بالامتنان البالغ، لكن دون أن يفكر ولو للحظة واحدة أن يناقش السيد في أفكاره السياسية أو حتى أن يحاول فهمها. فقد كان رئيس الخدم يرى أن من الحكمة أن يتحلى المرء بالواقعية، وليس من الواقعية أن يكون لرجل مثله لم ينل من التعليم إلا القدر اليسير، أن يظن أنه مؤهل للنقاش مع سيد ارستقراطي يقضي أغلب أوقاته في مطالعة الكتب باللغات المختلفة.
وكان "اللورد" يبدي نوعا من التعاطف الفكري مع طموحات ألمانيا النازية، تلك القوة الناشئة في قلب أوروبا في منتصف الثلاثينيات، والتي كانت السياسة البريطانية تنظر لها بنوع من الريبة دون أن تعلن منها موقفا واضحا بالتأييد أو العداء. لذلك يقرر "اللورد" أن يدعو لمائدة عشاءه عددا من المسؤولين النازيين ليلتقوا بعضا من أبرز الساسة في بلاده لكي يشرحوا لهم أهداف ألمانيا الشابة ويؤكدوا لهم أن طموحات "الفوهرر" لا تتعارض مع مصالح الامبراطورية البريطانية التي دب الوهن في أوصالها. وكان من ضمن المدعوين سيناتور أمريكي شاب تربطه بـ "اللورد" صداقة قائمة على الإعجاب المتبادل ومحبة الثقافة الرفيعة.
واستعدادا لاستقبال الحدث الجلل بما يليق بمكانة سيده الرفيعة، يعلن "ستيڨنسون" حالة الطواريء القصوى في القصر مطالبا كل من يخضعون لقيادته بأن يبذلوا كل ما في طاقتهم لكي لا يكدر صفو العشاء العظيم أي خطأ. ويحاول رئيس الخدم أن يقنع أباه "ستيڨنسون الأب" بأن يسترح تلك الليلة لأن حالته الصحية ليست على ما يرام، لكن محاولته تبوء بالفشل أمام عناد الأب الذي لم يعجبه أن يقرر له إبنه ما يجب فعله. وكان "اللورد" قد وافق على تعيين الأب العجوز ساقيا تحت رئاسة إبنه إكراماً لـ "ستيڨنسون" رغم أن كل المؤشرات كانت تدل على عدم ملائمة الأب للوظيفة. وقبل الموعد المحدد ينهر "ستيڨنسون" مدبرة المنزل "ميس كينتون" لإصرارها على وجوب إراحة الأب الذي لن تحتمل صحته القيام بالسقاية لهذا الجمع الضخم، ويطالبها بأن تعتني بشؤونها الخاصة. وتبتلع مدبرة المنزل الشابة كرامتها وتصمت، رغم أنها تتبادل مع "ستيڨنسون" مشاعر صافية لم يجد أي منهما في نفسه الشجاعة للبوح بها.
وبينما ينخرط الساسة في النقاش حول مستقبل أوروبا والعالم، تهتز الصينية الثقيلة بين يدي "ستيڨنسون الأب" ويسقط الرجل كجدار قديم. ويطالب "اللورد" "ستيڨنسون" بأن يذهب للعناية بأبيه الذي حمله الخدم لغرفته، لكن رئيس الخدم المخلص يقرر البقاء ويحل محل أبيه في تقديم الطعام والشراب لسيده وضيوفه. ويثني "اللورد" على رئيس خدمه لموقفه الذي يضع الواجب قبل كل شيء، ويقابل "ستيڨنسون" ثناء سيده بانحناءة ممتنة.
بعد انتهاء العشاء يهرع الإبن لغرفة أبيه ليجده قد أسلم الروح بين يدي الطبيب. ويتلقى "ستيڨنسون" تعازي مرؤوسيه شاردا، فقد رحل أبوه عن العالم دون أن يتمكن من أن يسد له الدَين الذي يحمله كل إبن في عنقه تجاه أبيه، وهو أن يكون إلى جواره في لحظة موته.
تحاول "ميس كينتون" التقرب لـ "ستيڨنسون" واختراق الجدار الأصم الذي يحيط به نفسه ومشاعره. تباغته المرأة في غرفته لتعرف ماذا يفعل هذا الرجل بـ "بقايا يومه" الذي يفنيه في العمل". تعثر دون إرادة منه على رواية رومانسية، لكنه ينفي عن نفسه تهمة أن له مشاعر ويجيبها أنه يقرأ تلك الروايات لتحسين لغته، حيث أنه لم يتلق تعليما جيدا. وعندما تأتي فتاتان يهوديتان فارتان من ألمانيا للاختباء في القصر كخادمتين، يؤكد "ستيڨنسون" لمدبرة المنزل التي يعشقها في صمت أن "اللورد" بالتأكيد لن يمانع في بقائهما تحت سقفه. وعندما يطالبه "اللورد" بالتخلص من الفتاتين درءً لمشاكل الدبلوماسية ينفذ "ستيڨنسون" الأمر، ويقابل ثورة "ميس كينتون" بمنطق بارد يتلخص في أن "اللورد" حتما يعرف المصلحة أكثر منهما.
تندلع الحرب العالمية الثانية ويموت ملايين البشر. ولا ينجو "اللورد دارلنجتون" من الملاحقة القضائية بتهمة التعاون مع النازيين وتتكلل سمعته بالعار. وكما حلت أمريكا محل بريطانيا العظمى على المسرح العالمي، يحل السيناتور الشاب الأمريكي الشاب محل "اللورد" ويشتري ضيعته وقصره. ويظل "ستيڨنسون" في منصبه رئيسا لخدم السيد الجديد.
تمر أيام "ستيڨنسون" وسنواته دون أن يتغير. يخدم السيناتور الأمريكي صاحب الثروة بنفس الإخلاص الذي خدم به "اللورد" الارستقراطي. يجد أن القصر بحاجة لمدبة جديدة فيتذكر "كينتون" التي غادرت منذ سنوات طويلة لتتزوج رجلا آخر بعد أن يئست من أن يصارحها "ستيڨنسون" بحبه ويطلبها للزواج. يقترح عليه السيناتور أن يذهب للقائها في بلدتها البعيدة بدلا من المراسلة، فهو يرى أن "ستيڨنسون" الذي أصبح اليوم عجوزا بحاجة لنزهة وراحة. وبكرم أمريكي يعطي السيناتور مفاتيح سيارته الفارهة لرئيس خدمه المخلص ليقطع بها رحلته نحو حبيبته القديمة.
أثناء رحلته يقضي "ستيڨنسون" ليلة في نُزل على الطريق. يظن رواد النُزل أنه رجل ارستقراطي المنشأ لطريقة حديثه وسيارته الفارهة. أحد الشباب يستدرج "ستيڨنسون" في الحديث ويخبره أنه عرف من تحفظه في الحديث أنه رجل غير متعلم. يعترف له "ستيڨنسون" بحقيقته وتاريخه، فلا يكون من الشاب إلا أن يخبره أنه بخدمته لسيد متعاون مع النازية يكون شريكا في الجريمة.
يلتقي "ستيڨنسون" بحبيبته القديمة ويعرف أنها قد نالت الطلاق وترحب للعودة للعمل معه. يشعر أن الدنيا تبتسم له أخيرا. في اليوم التالي المحدد للعودة تخبره "كينتون" أنها لن تستطيع الذهاب معه. لقد عرفت أن ابنتها الوحيدة حامل وبحاجة لها. فواجبها كأم تجاه ابنتها يأتي قبل أي شيء.
يبدأ "ستيڨنسون" رحلة العودة للقصر الذي أمضى عمره بين أسواره. يكتشف بعد فوات الأوان أن بقايا أيامه لا تحمل أي قيمة. أفنى عمره في خدمة قضايا تتعارض مع مصالحه. ظن أن خدمته المخلصة للطبقة الراقية ستجعل منه إنسانا راقيا، لكنه في النهاية لم يكن سوى خادم. لم يفلح في أن يكون إبنا بارا أو زوجا محبا أو أبا يرى امتداده في أبنائه. كان مجرد خادم.
نالت رواية بقايا اليوم تقديرا نقديا كبيرا، واقتبستها السينما في انتاج بريطاني أمريكي مشترك بنفس العنوان. ولعب دور "ستيڨنسون" الممثل "أنطوني هوبكنز"، والذي منحته ملكة بريطانيا لقب سير. وهو لقب ناله بمجهوده وتميزه ولم يرثه بصدفة الولادة كعادة الارستقراطيين.
التعليقات