من يحمينا من تسلط بعض شركات التكنولوجيا العالمية واستبدادها؟ وكيف نضمن حقنا في الخصوصية؟ ومن يمنع هذه الشركات العملاقة من مراقبتنا طوال الوقت وتحليل كل أفعالنا ومشاعرنا على شبكات التواصل الاجتماعي بدءا من الإعجاب (الليكات) ومرورا بمشاركة ما نستحسنه (الشير)، وانتهاء بما نكتبه (البوستات والتعليقات)؟ بل يصل ذلك الى مراقبة دردشاتنا عبر (ماسنجر) والتي تصفها هذه الشركات بأنها خاصة، ومن يضمن لنا حقنا في التواصل مع أصدقائنا؟ فهذه الشركات يمكنها أن تحجب ظهورنا على شبكات التواصل الاجتماعي حتى لو كنا بقوة ترامب!
هذه الأسئلة أثارتها التجاذبات بين (واتساب) ومستخدميها، خلال الأيام القليلة الماضية بشأن تغيير سياسة الخصوصية في هذا التطبيق، وهو ما يحتاج إلى تفصيل أكثر:
لرسائل والمكالمات مشفرة تماما، بحيث لا يستطيع أحد خارج هذه الدردشة وحتى شركة واتساب نفسها، قراءتها أو الاستماع اليها) هذا التنبه يقرأه مستخدمو "واتساب" عند استخدام هذا التطبيق الذي يؤكد على حماية الخصوصية، مما جعل الملايين تثق فيه.
ولكن في يناير الماضي أعلن المسئولون بالتطبيق عن تحديثات جديدة على سياسة الخصوصية مصحوبا بالتهديد بمنع مستخدميه من استعمال حساباتهم، إذا رفضوا الموافقة على شروطه الجديدة.
وتسمح السياسية الجديدة لـ"واتساب" بمشاركة بعض بيانات مستخدميه مع شركة "فيسبوك" المالكة للتطبيق وتخصيص مساحة للتفاعل مع الإعلانات.
وقد قوبلت التغيرات الجديدة بانتقادات واسعة النطاق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبرت بمثابة انتهاك لخصوصيتهم. ومع ذلك، أعلن واتساب أنه سيمضي قدما في فرض هذه التغييرات على شروط استخدامه.
وذكر إن البيانات التي يشاركها مع شركته الأم (فيسبوك) لا تتضمن الرسائل أو المجموعات أو سجلات المكالمات. والحقيقة أن واتساب يشارك بالفعل معلومات عن مستخدميه مع فيسبوك، مثل عنوان الـ IP الخاص بالمستخدم، ومعلومات عن الهاتف، إضافة إلى عمليات الشراء عبر هذا التطبيق. ولكن هذا الأمر لا ينطبق على المستخدمين في أوروبا ، بسبب وجود قوانين خصوصية مختلفة هناك.
يرى الخبراء إن هذه القضية تسلّط الضوء على عدم وعي المستخدمين بكيفية استخدام بياناتهم. وفي التحليل الأخير فإن شركات التكنلوجيا العملاقة تستفيد من بياناتنا وتبيعها لشركات أخرى بشكل و بآخر، واذا أردت دليلا على ذلك فقم بتجربة بسيطة وهي البحث عن أي منتج عبر جوجل، فتستجد إعلانات عن ماركات لهذه المنتج تظهر لك في أي تطبيق إلكتروني تستخدمه (فيسبوك، بريد الكتروني ،محرك بحث .. الخ) ولكن لا نستطيع رفع دعوات قضائية ضد هذه الشركات، لأنها تطلب منا الموافقة مسبقا على شروط استخدام التطبيقات قبل ان تتيح لنا استخدامها وغالبا يوافق معظمنا على هذه الشروط بدون قراءتها.
إن هذا القلق من مراقبة شركات تكنلوجيا المعلومات لنا والخوف على خصوصيتنا ليس هاجسا شخصيا وإنما عبرت عنه منظمات كبرى معنية بحماية حقوق الإنسان، ومنها منظمة العفو الدولية التي ذكرت، في بيان أصدرته يوم 21 نوفمبر 2019، أن "المراقبة التي تقوم بها شركتا الفيسبوك وجوجل في كل مكان لمليارات الأشخاص إنما تشكل تهديداً ممنهجاً لحقوق الإنسان".
وطالبت بحدوث تغيير جذري في صلب أعمال عمالقة التكنولوجيا، انطلاقا من أن "نموذج العمل المستند إلى المراقبة من قبل فيسبوك وجوجل يتعارض بطبيعته مع الحق في الخصوصية، ويشكل تهديدًا ممنهجاً لمجموعة من الحقوق الأخرى بما في ذلك حرية الرأي والتعبير، وحرية الفكر، والحق في المساواة وعدم التمييز".
بل أن كومي نايدو، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، وصف هذا السيطرة الرقمية بالمشينة، وذكر في البيان ذاته: أن شركات التكنلوجيا العملاقة مثل جوجل وفيسبوك تجمع البيانات الشخصية لمليارات الأشخاص وتحقيق المكاسب منها. وإن "سيطرتهما المشينة على حياتنا الرقمية تقوض جوهر الخصوصية، وهي واحدة من التحديات المحددة لحقوق الإنسان"، مطالبا بضرورة أن يكون هناك إصلاح جذري للطريقة التي تعمل بها هذه الشركات.
تكمن المشكلة الأساسية في إن الإنترنت أمر حيوي بالنسبة للناس للتمتع بالعديد من حقوقهم، لكن مليارات الأشخاص ليس لديهم خيار حقيقي سوى الوصول إلى هذا الفضاء العام بشروط تمليها شركات التكنولوجيا العملاقة. فنحن اذن محاصرون بين خيارين أحلاها مر، إما أن نخضع لآلية المراقبة المنتشرة هذه - حيث يتم اختراق بياناتنا بسهولة للتلاعب بنا والتأثير علينا - أو التخلي عن فوائد العالم الرقمي، وهذا لا يمكن أن يكون خياراً مشروعاً، فيجب علينا استعادة هذا الساحة العامة المهمة، حتى نتمكن الاستفادة من العالم الرقمي دون انتهاك حقوقنا. (وللحديث بقية)
التعليقات