أعاد وباء "كوفيد-19" (كورونا) عالمنا في عديد من النواحي إلى الأساسيات والبديهيات.
فمن كان يظن أن الدول ستُعيد التركيز على قطاع الزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي؟ أو الاستغناء عن النقل الجوي إلى حين محاصرة الوباء؟ وفي القطاع التكنولوجي بدأنا كخبراء تسويق واتصالات بملاحظة هذه العودة، عندما بدأت مؤسسات القطاع العام والخاص بالعودة إلى تقنيات بسيطة وعادية غير مكلفة ولكن في ذات الوقت فعّالة، وتلعب من خلالها دورا بارزا في محاصرة وباء كورونا ومساعدة الناس.
لقد دفعنا كورونا إلى اعادة اكتشاف ما نملكه أصلا في جعبة عالم التكنولوجيا. والأكثر إثارة للاهتمام أن ما تستخدمه البشرية اليوم من تقنيات لمواجهة الوباء هي في جزء كبير منها، متوفرة منذ سنوات. ولم يكن هناك من داع لابتكار حلول تكنولوجية جديدة، ولم تضطر البشرية لا إلى ابتداع تقنيات حديثة أو الاستثمار في مجالات جديدة بل فتشت في "مكتبة عالم التقنيات" التي تمتلكها لكي تخرج بحلول تستجيب للتطورات المتعلقة بفيروس كورونا.
ما علاقة كبار السِن بالبيانات الكبيرة (لقد انتبهت بعض الحكومات وشركات القطاع الخاص، إلى أهمية البيانات الكبيرة (Big Data) عندما واجهت تحدي الوصول إلى كبار السن لتوعيتهم حول الفيروس أو لإعلامهم بضرورة الالتزام بالعزل المنزلي على سبيل المثال لا الحصر.
من المعروف أن معظم كبار السن ممن يحملون هاتفا ذكيا، ليسوا معتادين على استخدام التطبيقات، وبعضهم لا زال يحمل هاتفا نقالا عاديا (Feature Phone). من خلال قواعد البيانات الكبيرة، قامت الحكومات، بتصنيف مستخدمي الهواتف النقالة، وتحديد أعمارهم وأنواع هواتفهم وغيرها من مميزات المُستخدم.
ثم قامت بتشغيل تقنيات تحليل البيانات (Data Analytics) والسحابة (Cloud) لإرسال تسجيل صوتي إلى الهواتف، يسمعه المتلقي عندما يرن هاتفه. وهذا الحلّ مكّن السلطات من إيصال الرسالة المطلوبة إلى أي عدد يريدون، سواء كانوا عشرات الآلاف أو حتى مئات الملايين من دون تكاليف تُذكر. التكنولوجيا التي تم استخدامها، بسيطة وموجودة ومُتعارف عليها، لكنها وفّرت على دول العالم التي طبقتها ربما مليارات الدولارات.
علاقة فحص كورونا بالذكاء الاصطناعي
عندما بدأت السلطات الصحّية حول العالم، بإجراء أعداد كبيرة من فحوصات فيروس كورونا، كانت تحاول المحافظة على حياة الناس وعزل المصابين لمنع اختلاطهم مع باقي السكان وبالتالي محاصرة الوباء.
وقد اضطرت لإنفاق مليارات الدولارات للقيام بهذه العملية البالغة الأهمية. لكن عندما أتى وقت الاتصال بمئات الآلاف أو عشرات الآلاف ممن خضعوا للفحص وإبلاغهم النتائج، حصلت مشكلة. كانت مراكز الاتصال في المختبرات والمراكز الصحية تتلقى كميات هائلة من الاتصالات ممن أجرى فحصه أو ممن يريد
ببساطة معرفة وجود أقرب مستشفى أو حتى من يودّ الحصول على معلومات حول عوارض الفيروس.
وأدت الأعداد الهائلة لهذه الاتصالات والتي تفوق قدرة مراكز الاتصال، إلى انخفاض عدد الاتصالات التي يتم الرد عليها، ووقعت أزمة.
لقد قدمت شركات التكنولوجيا مثل أﭬايا حلا بسيطا جدا إلى مراكز الاتصال، تمثّل ببرنامج يعتمد على الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة. يستطيع هذا البرنامج الاتصال بشكل آلي بمن أجروا فحوصات، لإعلامهم بالنتيجة وتوجيههم إلى أقرب مركز طبي إذا كانوا مصابين أو البقاء في المنزل. كما يستطيع السكان التفاعل مع
البرنامج للحصول على الإجابات من خلال موقع انترنت، لأنه يكون مزوّدا بإجابات حول الأسئلة الأكثر شيوعا.
وهذه العملية لا تتطلّب وجود فرق عمل كبيرة في مراكز الاتصالات للرد على الاستفسارات.
عندما يكون هناك مستشفى أو سلسلة مستشفيات مسؤولة عن إجراء الفحوصات المتعلقة بالفيروس، يُلقى على عاتقها الاتصال بكل الأشخاص الذين ظهرت نتائجهم، والذين قد يبلغ عددهم عشرات الآلاف أو حتى مئات الآلاف.
في بعض الحالات طُلب إلى الأطباء الاتصال بالأشخاص الذين أجروا فحص الكورونا، لإعلامهم بالنتيجة وتوجيههم وتوعيتهم بحسب مقتضى حالتهم. وهذا الأمر تطلّب وجود عدد كبير غير متوفر من الأطباء.
عندها جرت الاستعانة بالتكنولوجيا للاتصال بشكل آلي بالأفراد وإعلامهم بالنتيجة وتبليغ التوصيات الطبية.
وبهذه الطريقة تم تخفيف الضغوط، والمساهمة بمواجهة الوباء.
لحظة تأمل
لقد وصلت التقنيات إلى مرحلة متقدمة خصوصا في تعزيزها التعاون في عالمنا الافتراضي.
في الماضي كانت الشركات تنفق عشرات آلاف الدولارات وأحيانا مئات آلاف الدولارات لجمع موظفيها في مكان واحد.
هذه العملية تتطلب تذاكر رحلات جوية وإقامة وغذاء وتنقلات وتأمين وغيرها من المتطلبات.
أما اليوم فيمكن إجراء هذه الاجتماعات بكل سهولة من خلال الانترنت.
أيضا كانت الشركات تعتمد بشكل كبير على الرحلات بين البلدان في أعمال البيع والتسويق والشرح المتعلق بالمنتجات وغيرها من النشاطات، وكانت تُنفق مبالغ كبيرة للقيام بهذه الأمور.
اليوم بات ممكنا القيام بهذه الأعمال، بتكاليف أقل بكثير. لا بل إن الشركات تمكنت أيضا من زيادة عدد الزيارات وتغطية أسواق أكثر ومن تسهيل أعمال التسويق بشكل كبير.
لقد سمعنا خلال العقد الماضي نداءات عديدة للمحافظة على البيئة من خلال زيادة الاعتماد على التكنولوجيا لتقليص حركة الانتقال عبر الطرقات والسفر الجوي لتخفيف الانبعاثات الكربونية. لكن الشركات لم تكن كلها راغبة بإجراء هذا التحوّل.
كما أن الحكومات لم تكن قد قامت كلها بتبنّي التحوّل الرقمي.
مع كورونا اليوم أعدنا اكتشاف تقنيات متوفرة بين أيدينا، أثبتت أننا نستطيع القيام بالأعمال أو على الأقل جزء كبير منها من دون الاضطرار إلى السفر والضغط على مواردنا البيئية. ليس هذا فحسب، بل اكتشفنا أيضا تقنيات بسيطة، ستساهم حتما في تخلّص عالمنا من وباء كورونا.
إيمان غريّب مديرة التسويق والاتصالات في شركة أﭬايا العالمية
التعليقات