ما أعظم أن نتحدث عن القيم والمثل والأخلاق؛ ولكن أروع من ذلك كله أن نرى المثل رجالا والأخلاق فعالا؛ أن نرى ذلك كله يتجسد في شخصية أمير المؤمنين عمربن عبد العزيز.
فكانت حياته قمم شامخة ؛ولقد كانت نقطة التحول في حياته ؛أن فتحت زخارف الدنيا كلها بين يديه يأخذ ما يشاء ولا يحاسبه أحد إلا الله .
لقد خاف عمر ؛ولم يكن خوفه إلا من الله ؛فلم يكن بينه وبين الله أحد من الخلق ؛يخشاه وعدل أحسن ما يكون العدل.
حدثت زوجه فاطمة بنت عبد الملك رضي الله عنها؛ قالت كان عمر يذكر الله؛ في فراشه فينتفض كما ينتفض العصفور؛ ثم يستوي جالسا يبكي حتى أخاف أن يصبح المسلمون ولا خليفة لهم.
أمسى ذات ليلة؛ وقد فرغ من حوائج الناس؛ فأطفأ السراج ثم قام فصلى ركعتين لله ثم قعد جالسا ووضع ذقنه على يده؛ وأطرق يبكي ودموعه تسيل على خده حتى أصبح الصباح.
قالت له زوجه فاطمة؛ يا أمير المؤمنين؛ أمر ألم بك أم ماذا؟ فأجابها قائلا : إني تذكرت البارحة رعيتي؛ فتذكرت الأسير المقهور ؛والغريب القانع والفقير المحتاج.
فعلمت أن الله سائلي عنهم؛ وأن محمد حجيجي ؛فيهم فخشيت أن لا يكون لي أمام الله عذرا ؛ولا يثبت لي أمام رسول الله ؛حجه فخفت على نفسي فذاك الذي أبكاني.
خطب عمر بالناس؛ فذكر النار حتى ذكر قوله تعالى(ناراً تلظى) ؛فتلجلج لسانه واشتد بكاؤه فقطع خطبته وجلس .
هكذا كان خوف عمر؛ هكذا كانت رهبته... وعندما ولى عمر الخلافة فنظر في بيت مال المسلمين ؛ثم نظر إلى ما في يده ثم نظر إلى ما في يد أمراء بني أميه.
فبدأ بنفسه فدعا زوجه فاطمة؛ ابنة الخليفة وزوجة الخليفة وأخت الخلفاء ؛فقال: يا فاطمة هذا حليك تعلمين من أين أتى بها أبوك؛ فإن رأيت أن أردها إلى بيت مال المسلمين.
فعدل وإلا خذيها وفارقيني فوا لله؛ لا أجتمع أنا وهي في دار أبدا؛ فقالت: لا والله يا أمير المؤمنين؛ بل أؤثر صحبتك فردت حليها على بيت مال المسلمين.
فلما مات عمر؛ قال لها أخوها يا فاطمة؛ إن شئت رددتها إليك قالت: لا والله لا آخذها وقد ردها عمر؛ فأخذها أخوها هشام؛ فقسمه على بناته.
ثم انقلب عمر بعد أن بدأ بنفسه إلى بني أميه؛ فقطع كل صلات كانوا يأخذونها وأعطيات كانوا يستلمونها.
فكل مال أخذ من بيت مال المسلمين؛ فدفع إلى أمير قام عليه عمر فرده حيث أخذ واستشاط أمراء بني أميه؛ غضبا فأرسلوا إليه ابنه عبد الملك .
فقالوا يا عبد الملك ؛إما أن تستأذن لنا على أبيك؛ وأما أن تبلغه عنا ؛قالوا أخبره أن من كان قبله من الأمراء يعطوننا أعطيات ؛ويصلوننا بصلات وأنه قد قطعها عنا.
مره فليردها علينا وأبلغ عبد الملك أباه؛ فقال عملا: ارجع إليهم فقل لهم أن أبي يقول إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.
وعندما أتت إليه امرأة من العراق ؛تشكو إليه ضعف حالها؛ وكثرة بناتها؛فلما دخلت إلى دار أمير المؤمنين؛ فرأتها متواضعة.
فجعلت تعجب وهي تقلب طرفها في أنحاء الدار ؛فقالت لها فاطمة زوج عمر مالك؛ قالت.لا أراني إلا جئت لأعمر بيتي من هذا البيت الخراب .
فقالت لها فاطمة إنما خرب هذا البيت عمارة بيوت أمثالك؛ هكذا كان زهد عمر فكثر الخير فلم يجد الأغنياء فقيرا يدفعون إليه زكاتهم.
التعليقات