في سيمفونية بديعة أمتعنا المطرب الكبير مدحت صالح صاحب الرصيد الكبير في غناء تترات الأعمال الدرامية الخالدة في أذهان الجميع بأغنية "60 سنة بنحبك يا دراما" المليئة بالشجن الذي انعكس على المستمعين ليحمل الكثير من الحنين والعبرات، وكان هذا من ضمن فعاليات مهرجان القاهرة للدراما في دورته الثانية في مدينة العلمين الجديدة تحت رئاسة الفنان الدكتور يحيى الفخراني.
"الأمي منه عالم" هكذا يُقال على الجمهور المصري لمجالي السينما والتليفزيون، لم تكن الدراما يوما مجرد أداة للتسلية، لم يستطع أحد أن يوقف مشاعره يوما قائلا لنفسه هذه دراما، ولن يستطيع أحد أبدا، فمن لم يتأثر بموت شوقي رضوان في الشهد والدموع، وخيانة زهرة لعلي في ليالي الحلمية، وخيبة أمل عايدة في بشر عامر عبدالظاهر في مسلسل زيزينيا؟، فهو السؤال والجواب هو مفتاح السر وحل اللغز.
كانت ومازالت الدراما جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين اليومية، فما قبل كثرة القنوات الفضائية وتعدد الأعمال الدرامية ووقوع مسئولية الاختيار على المشاهد، كان هناك حلقة يومية من مسلسل عربي وحلقة يومية من مسلسل أجنبي، يجتمع عليهما المصريون لمعرفة كل جديد ومتابعة الأحداث فلم يكن هناك طريقة لمشاهدة الحلقة في غير موعدها المعلن في الجرائد، وأتذكر رؤيتي لمنشور على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لشخص ما يحكي عن ذكرى له وهي استماعه لإعلان مؤذن الجامع عن وفاة أحد الجيران وأن موعد الدفن بعد مسلسل هركليز، وهذا لا يحتاج إلى توضيح ما يوحي إليه من حالة اليقين والإدراك التام بوضع الناس وارتباطهم بالدراما ومواقيتها أكثر من أي شيء آخر.
ومن أجمل اهتمامات مهرجان القاهرة للدراما هو الاهتمام بمن وراء الكاميرا بقدر من هم أمامها، فهناك جيش بأكمله يعمل من أجل خروج ذلك العمل الدرامي إلى الوجود، فهل وجب علينا دوما تكريم القائد الظاهر وإهمال باقي عناصر نجاح العمل، فلم يكن العمل الدرامي محببا إلى قلوبنا من أجل نجمه الأول فقط، لا غاية في إنكار أهمية نجوم الدراما في نجاح العمل، فكان لأسماء مثل يحيى الفخراني ومحمود مرسي وصلاح السعدني ومحمد صبحي وهشام سليم وممدوح عبدالعليم وغيرهم قدرة جبارة على جذب أكبر عدد من المشاهدين، ولكن لم يكن ليحدث هذا بدون مؤلف صاحب قصة قوية مثل الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، أو بلا مخرج عظيم يدير تلك المعركة مثل المخرج إسماعيل عبدالحافظ والمخرج محمد فاضل والمخرج جمال عبدالحميد، أو بلا موسيقى ساحرة تبقى في الذاكرة، وقدمها لنا الكثير من عظمائها مثل عمار الشريعي وياسر عبدالرحمن، وتترات لبداية ونهاية العمل الدرامي بكلمات بديعة لكبار الشعراء مثل أحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين، وبصوت غنائي قوي لاستكمال تلك السيمفونية مثل علي الحجار ومحمد الحلو، والكثير من العاملين على الإنتاج والتصوير والمونتاج، ليخرج العمل في النهاية بتلك الصورة المحببة إلى قلوبنا والمتشبثة في ذاكرتنا.
60 سنة دراما، 60 سنة من الإبداع، ولم تنتهِ الأحاديث في مصر ولن تنتهي، دامت مصر لنا لشعبها وتاريخها وفنها ومجدها.
التعليقات