يا مسلمين العالم، اتحدوا... جملة رأيت معناها في كلمات الكثير من رواد السوشيال ميديا، بل وأكثر من ذلك؛ سمعتها من أفواه أناس بسطاء في المواصلات العامة. كل هؤلاء يرون أن وحدة المسلمين هي الحل، بغض النظر عمن سيلتفون حوله.
في حالة تأهب وتأثر شديد، نعبر عن تضامننا مع الدولة المغدور بها إيران، وندين الهجوم الإرهابي الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي. ولكن لماذا نقف مع طرف وندعو له بالنجاة، ونشكو الآخر إلى الله ونطلب الخلاص منه عاجلًا غير آجل؟! هل المسألة فعلًا مسألة دين، كما يرى أغلب العامة؟!
الفيصل دائمًا في مثل هذه الإشكالات التي تربك العقل والعاطفة، والتي لا يمكن إثبات صحتها بسهولة، هو أن نحاول إثبات خطئها. فإن استطعنا، فبها، وإن لم نتمكن، فلنُقر بها.
إذا سألنا مصريًّا غير مسلم: إلى أين يتجه ولاؤك بين الخصمين؟ سيجيب بفطرته، وبعواطفه المتأثرة بالتاريخ أكثر من الحاضر، أنه مع إيران قلبًا وقالبًا. وإن سألته لماذا؟ سيقول: إن كانت هذه حربنا، لوقفوا إلى جانبنا بكل ما أوتوا من قوة، كما فعلوا من قبل.
غير المسلم لم يحكم على القضية من زاوية دينية، لأن إيران حين دعمت مصر، لم تفرّق بين مسلم ومسيحي.
ولو سألناه: لماذا لا تنحاز للاحتلال الإسرائيلي؟ لقال: لأننا نعرفه قبلهم، وكان عدونا قبلهم، وحاربناه قبلهم. نعلم يقينًا أنه لا يملك حقًّا في أرض، ولا في حياة عليها، ولا في زهق روح فوقها أو على غيرها. فما بالك بنزوحه المتغطرس وكأنه بات مالك المنطقة، لا مجرد غريب مكروه على أرض أصحابها؟
وإن سألناه: هل للدين تأثير على موقفك؟ سيجيب: أي دين؟ إن كنت تقصد اليهود، فقد عشنا معهم قرونًا إخوةً وجيرانًا في الأفراح والأتراح. أما إسرائيل، فدينها الحقيقي هو الصهيونية، وأكبر دليل أن أشهر قادتها، مثل جولدا مائير، كانوا ملحدين لا يؤمنون بأي دين.
فلماذا لا يزال وعينا العام معلقًا بفكرة أن النجاة لا تكون إلا بوحدة المسلمين؟ إن أردنا كلمة حق، فجميعنا نعلم أن الأرض لله، يورثها من يشاء. فشاء لبعض الناس أن يكونوا قادة، وللبعض الآخر أن يكونوا مؤنسين، ولغيرهم أن يتشتتوا في الأرض. آمنا بهذا، وعلى هذا ستنتهي الدنيا.
وليس بالضرورة أن يكون هذا الآن، خاصة ونحن ندرك أن لا أمل حقيقي في حدوثه حاليًا. فهؤلاء الخصوم المفروضون علينا واقع لا مهرب منه، وما بأيدينا الآن هو أن نضمن حقوقنا، ونعيش، ونعمل بصبر وتأنٍ على تقليص وجودهم وخنق نفوذهم، حتى يأذن الله بزوالهم. لا أن نقف كالأطفال نصرخ ونضرب الأرض مطالبين برحيلهم الآن، بلا قوة أو استعداد.
وكما نؤمن بأن العالم الإسلامي سيتوحد يومًا في خلافة يرضى عنها الله، علينا أن نعترف بأن هذا مستحيل حاليًا، وسط الفتن والانقسامات، وسعي كل جماعة أو حزب للسيطرة، وتحويل البقية إلى مجرد عامة.
فإدراك حجم المشكلة هو أولى خطوات الحل. عندما نعترف بأن قوة ونفوذ وجراءة الاحتلال اليوم هي ثمرة مباشرة لأخطائنا، كعرب، حين قبلنا بالفرقة، وتغاضينا عن آلام شعب شقيق، وظننا أن صمتنا سيرضى به العدو ولن يعادينا، فهذه حالات مارستها أغلب الدول العربية، حتى صاروا خصومًا في منطقة واحدة. فلا عجب إذًا من النتائج التي نعيشها اليوم.
وعندما نقر بأن ضعف المسلمين اليوم هو نتيجة طبيعية لانقسامهم خلف أطماع سياسية وحب للسلطة، وأنهم صاروا خصومًا رغم وحدة الدين، فلا يحق لنا أن نندهش حين لا تجد الكلمة الواحدة صدىً يجمعهم.
ولكن كلما طال البعد، اشتد الجفاء. فالاقتراب اليوم أسهل من الغد. فلنُهذب أنفسنا، نُصفّ أذهاننا، ونعيد النظر في أولوياتنا.
فلن يصل حزب أو جماعة منفردة إلى حكم العالم، ولن تستطيع دولة واحدة أن تُسقط عدوًا متجذرًا في الأرض منذ أكثر من نصف قرن.
فإن لم نتحد من أجل الدين، فلنتحد من أجل العروبة. وإن لم تكن العروبة كافية، فلنتحد من أجل الإنسانية.
وإن لم يبقَ في القلب إلا السعي للمصلحة الشخصية، فليُدرك كل إنسان أنه لن يصل إليها إلا إذا اتحد مع الآخرين. وحينها سيتحد... مرغمًا.
يا مسلمين العالم، اتحدوا.
التعليقات