الإيمان والسؤال؛ هل يضعف الثاني من صدق الأول؟! أم يزيده عمقًا وتأصلاً؟! أم تتوقف النتيجة على الإجابة التي ستجدها لسؤالك؟! وإن كان الرأي الأخير هو الأقرب للمنطق؛ فلماذا يعد السؤال جرمًا... مجرد السؤال؟!
نؤمن جميعًا بالقدر، أو يجب أن نؤمن جميعًا بالقدر؛ فلا حرج من الاعتراف بوجود واحد على الأقل بين كل جماعة من الأصدقاء لا يؤمن بالقدر يقينًا؛ ولكنه يؤمن بوجوب الإيمان بالقدر، وإن لم يقدر عليه حتى الآن. لذا، فالأدق أن نقول: إننا جميعا نؤمن بوجوب الإيمان بالقدر. ولكن ما هو القدر؟
القدر هو الحقيقة. هو كل ما حدث، وكل ما يحدث، وكل ما سيحدث. القدر هو المشيئة الإلهية النافذة، وهنا أصبح الإيمان به شرطًا لصحة إيمان الفرد. ولكن ماذا يعني الإيمان بالقدر؟
هل هو الإيمان بحتمية وقوعه، ومن ثم التسليم وانتظاره بلا حراك؟! فإن كان قدري أن أصبح كاتبًا سأصبح، هكذا بتلك البساطة، أن أنتظر حدوث هذا بلا تقوية للغة الكتابة، وبلا ممارسة للكتابة، وبلا تعلم أسس وقواعد فنون الكتابة، وبلا قراءة أيضًا؛ فلا داعي لسعة الإدراك، فالقدر آتٍ لا محالة.
من المؤكد أن ما يخطر ببالك الآن هو رغبة في غلق المقال بعدما تفوهت بجملة: "ما هذا الغباء؟!"، ولكني أطلب منك أن تتحمل أكثر بعد.
أم أن الإيمان بالقدر هو الرضا؟! أن ترضى بنتيجة لا تناسب مقدار سعيك من وجهة نظرك البشرية، فعندها تقول: "هذا قدري!". يا لها من جملة لها تأثير السحر على النفس، قادرة بمجرد استذكارها أن تريح عقلك المرهق بأسئلة من قبيل: لماذا؟ ما الخطأ الذي ارتكبته حتى لا أكون على ما أريد؟ هل لي بأن أحاول مجددًا أم أستسلم؟... كما أنها قادرة على أن تريح وجدانك، فما من شيء قادر على سمو النفس وهدوء ولجها أكثر من الرضا وتسليم أمرها لله.
ولكن ماذا عن حقيقة إضاعة الفرص؟ فأنا إن لم أبحث عن وظيفة ملائمة بنفسي فلن أعمل، وإن لم أجرب أشياء مختلفة لن أجد ذاتي فيما أحب، وإن لم أسعَ للتعرف على أناس جدد لن أكون صداقات حقيقية، وإن لم أفكر في الحب بجدية وأغلقت عيني بمجرد الشعور به قريبًا فلن أحصل على علاقة مستقرة في حياتي، وإن تأخرت على موعد القطار؛ فهذا يعني أنني لن ألحق به.
كنت أرى الحياة بتلك النمطية... إلى أن رأيت من عُرض عليه عملٌ فيما يحب قبل أن يدرك هو نفسه أنه يحبه؛ قيل له: "أعتقد أنك ستصبح بارعًا في التفاوض والبيع والشراء."، ورأيت من لم يجرب شيئًا في حياته، بل لم يخرج من غرفته قط، وعندما رغب في التنفيس عن غضبه يومًا بالتعبير عنه بكلمات على الورق، وجد شغفه في الحياة، ورأيت الانطوائي الذي ارتطم بأحدهم صدفة وراء صدفة، فأصبح أقرب إليه من أمه وأبيه، ورأيت من عاش متحاشيًا للحب في كل طريق، إلى أن أزال عن عينيه قليلًا أمام من رآه بعيدًا عن ذوقه فوقع في حبه، ورأيت من تأخر على موعد قطاره وسار حزينًا إلى أن أدرك القطار في المحطة بعد أن تأخر هو الآخر.
ولكن، هل هذا يعني الاعتماد على تلك الصدف أو الفرص الملقاة علينا إلقاءً؟!
بالطبع لا؛ الحل في الوسطية... الوسطية في السؤال وفي الأخذ بالجواب، الحل في السعي المحمي بالإيمان بعدل الله سبحانه وتعالى، الحل في الأخذ بالأسباب أولًا، ثم الشعور بالامتنان لحدوث تلك الصدف النادرة ثانيًا...
الحل في الرضا والحمد على ما تكره قبل ما تحب؛ تفوز براحة البال في الدنيا، وحسن المثوى في الآخرة.
القدر وأشياء أخرى....
التعليقات