مرت الأيام. لم يتصل بي رئيس التحرير، كدت أنسى السفر والعمل، وانهمكت في القراءة والكتابة وحضور الندوات والمشاركة في المهرجانات، إلى أن رشحني صديقي يوسف عبدالفتاح للمشاركة في افتتاح المركز الكوري للثقافة العربية والإسلامية في كوريا الجنوبية.
قال صديقي الكاتب الصحفي مصطفى عبدالله: إنها رحلة العمر. فقد سبق أن سافر إلى هناك واستمتع بأجمل رحلة من رحلات عمره رغم أنه دائم السفر إلى بلاد كثيرة بحكم عمله الصحفي، ثم رئاسته لتحرير جريدة "أخبار الأدب" الأسبوعية.
جاءت الدعوة بالفعل وذهبت لأخذ التأشيرة من السفارة الكورية بالقاهرة. تعرفت على الملحق الثقافي الكوري الذي أنقذني من العودة ثانية في اليوم التالي لأخذ جواز السفر، حيث ذهب الى زميلته موظفة التأشيرات، كانت سمينة بعض الشيء على عكس الكوريات اللاتي شاهدتهن هناك، أخبرها بضرورة استخراج التأشيرة في اليوم نفسه، لأستطيع العودة الى الإسكندرية ومعي التأشيرة، واستجابت الموظفة.
سافرت مع وفد كبير من القاهرة الى العاصمة الكورية سيول مرورا بدبي كمحطة انتظار لمدة عشر ساعات لم أشعر بها حيث درجة رجال الأعمال تتيح لك فرصة قضاء وقت ممتع بالمجان في كافتيريات المطار ما بين مأكل ومشرب وإنترنت وخلافه. هناك التقينا بعدد آخر من المشاركين العرب، كان من بينهم رئيس تحرير المجلة التي سأعمل بها.
احتفى بنا الكوريون وأطلقوا على أحد الشوارع في مدينة "انتشون" التي يقع بها المركز اسم "شارع العرب". يبدو أنهم كانوا يعرفونني حيث وجدت ترجمة لبعض مقالاتي إلى الكورية، وصورا لي تتصدر بعض أغلفة مجلاتهم، وبعض المواقع الإلكترونية التي تم عرضها على شاشات عرض كبيرة من نوع "سامسونج" الكورية الشهيرة.
في حفل الافتتاح كانوا ينادون على أسمائنا واحدا واحدا فنصعد المنصة الرئيسية، وسط حفاوة الاستقبال والتصفيق. جاء ترتيبي في الواجهة أمام بعض المشاركين الذين حجبتهم بوقوفي أمامهم عن أعين الكاميرات والقنوات التلفزيونية التي تغطي الحدث. طلب أحدهم عودتي إلى الخلف كي يظهروا هم أمام الكاميرات. لم أستجب.
لاحظت ولاحظ المشاركون مدى اهتمام رئيس التحرير بوجودي هناك، فكان يكلفني بطريقة غير مباشرة بكتابة تقارير وانطباعات عن الرحلة وعن البرنامج، وينبهني بضرورة التقاط الكثير من الصور ومن زوايا مختلفة، رغم وجود محرر آخر معين في المجلة معه، لم يكن يفارقه إلا عند نومه. أحس هذا المحرر بخطورتي عليه وعلى مكانته وحظوته، فأخذ أحيانا يتقرب مني، وأحيانا يهملني ويتجاهلني، حتى يتضح له من أنا.
سافرنا في رحلة داخلية بالطائرة إلى جزيرة "جيجو" ذات الطبيعة الساحرة والآسرة والماكرة، وكادت تحدث كارثة بكسر زجاج كابينة قبطان الطائرة، فبعد أن أقلعت بنا الطائرة نفاجأ بعودتها السريعة إلى مطار انتشون، وتفريغ الطائرة من حمولتها ومن راكبيها، واستبدالها بطائرة أخرى. لم يخبرنا أحد من ملاحي الطائرة بأبعاد الكارثة إلا بعد أن ركبنا الطائرة البديلة.
وصلنا الجزيرة. كان هناك احتفاء غير عادي في فندق الإقامة، وهمس لي أحد الكوريين الذين يتحدثون العربية جيدا، إنه لا يوجد أي محاذير في فندقهم على أي شيء، كل طلباتنا مجابة سواء في المأكل أو المشرب أو الاستحمام أو التدليك وصولا إلى ممارسة الجنس.
البنات الكوريات رغم أنهن ضئيلات جسما وعيونهن ضيقة وبشرتهن تميل إلى الاصفرار (غير شقراوات وغير سمراوات) إلا أنهن جذابات ومرحات ومبتسمات دائما، يشدنك إليهن بمهارة وخفة ودلع (كوريا هي الشابة وانت الجدع) فقط عليك أن تشير، تكتب رقم الحجرة التي أنت بها لتصعد اليك الكورية الجميلة النحيفة المبتسمة في صفاء.
لم أنم في تلك الليلة بعد أن سمعت ما كان يمكن أن يحدث لنا لو أصر قائد الطائرة ذات الزجاج المكسور على مواصلة الرحلة.
اتصلت بمصر من تليفون حجرتي بالفندق لأطمئن على الأسرة وأطمئنهم علي، ولم أشأ أن أحدثهم بموضوع الطائرة، ولكن مصطفى عبدالله كتب بعد عودتنا في جريدة "الأخبار".
ظللت مستيقظا حتى الصباح في غرفتي، فكرت أن أتصل على غرفة رئيس التحرير لأطمئن عليه، ولأعقد صداقة مبكرة معه. تذكرت أنه لم يأت معنا منذ البداية، وفضَّل البقاء في العاصمة سيول.
لم أطلب أكلا ولا شربا ولم أفتح باب ثلاجة الميني بار الموجودة في الغرفة الفندقية، ولم اختر فتاة كورية أقضي معها الليلة، حيث إن كل شيء مباح في الجزيرة.
في نهاية اليوم التالي وأثناء التجهيز لعودتنا إلى العاصمة، فوجئنا بإن إدارة الفندق تطلب منا دفع مبالغ باهظة لكل ما كان طلبا شخصيا، وتطلب مني شخصيا دفع ثمن المكالمة التي أجريتها مع الأسرة بالإسكندرية. افتضح أمر بعض زملاء الرحلة الذين استخدموا الميني بار، أو استخدموا الفتيات، سواء للتدليك والمساج، أو ما هو أبعد، فكل شيء بحساب.
بعد عودتنا إلى العاصمة الكورية سيول، سألت عن رئيس التحرير، قال لي تابعه إنه غادر إلى بلده، وترك لك هذه المظروف، فضضت المظروف فإذا بي أجد ورقة من أوراق الفندق مكتوب فيها: "أعجبني نشاطك وتقاريرك وملاحظاتك على الرحلة، في انتظارك قريبا للانضمام إلى فريق عمل المجلة".
سألني تابعه: ماذا يريد منك رئيس التحرير؟ قلت له: لاشيء فقط يسلم علي، نظر إلي نظرة فيها شك وريبة، فلم آبه به، وقلت في نفسي: كيف سأتعامل مع هذا التابع بعد أن انضم إلى "أسرة" تحرير المجلة؟
التعليقات