لم تكن الناقدة د. زينب العسّال مجرد زوجة للكاتب والمبدع الراحل محمد جبريل (1938 – 2025)، ولكنها كانت صديقةً وأمًّا وأختًا وابنةً له. وكانت أول من يقرأ أعماله الأدبية والثقافية، وتهتم بنشرها والكتابة عنها، منذ أن تعارفا في سلطنة عُمان، أثناء رئاسة جبريل لتحرير جريدة "الوطن" العمانية التي تصدر في مسقط.
وبعد أن عادا من مسقط زرتُهما في محل سكنهما بمنطقة النزهة بمصر الجديدة أمام محطة الاسكواش غير مرة. ولمست مدى المحبة والوفاء والتعامل الإنساني الراقي بينهما. وأيضا استقبلتهما في منزلي بميامي في الإسكندرية، والتقيت بهما كثيرًا في معظم زيارتهما للإسكندرية، إما للمشاركة في الندوات والمؤتمرات والأمسيات، أو للاستجمام والراحة من عناء القاهرة، أو للزيارات العائلية.
وعندما نذكر الثنائيات الزوجية الأدبية في وسطنا الأدبي والثقافي في مصر، يقفز على الفور، ثنائيات من أمثال: أمين الخولي وعائشة عبدالرحمن (بنت الشاطيء) د. مصطفى سويف ود. فاطمة موسى، د. محمد مندور وملك عبدالعزيز، د. عزالدين إسماعيل ود. نبيلة إبراهيم، أمل دنقل وعبلة الرويني، فاروق شوشة وهالة الحديدي، رضوى عاشور ومريد البرغوثي، أحمد سويلم ورباب البدراوي، فوزي خضر ونجوي السيد، وغيرها من الثنائيات.
وقد انعكست العلاقة الزوجية بين محمد جبريل وزينب العسَّال على العلاقة الإبداعية والنقدية بينهما، فكتبت العسَّال عن جبريل أكثر من مقال نقدي، وتحدثت عن إبداعه في الكثير من الندوات واللقاءات الأدبية والإعلامية.
وعندما نتصفح أول كتاب نقدي صدر للناقدة زينب العسَّال وهو بعنوان "أجيال من الإبداع" نجدها تتخذ من عالم المقاومة ورفض الاستسلام في أعمال محمد جبريل مادة أدبية جيدة، فتقول: إننا أمام أديب يرفض الاستسلام، ولو كان في صورة سلام، بل لأنه في صورة سلام زائف، وكما قال الأديب في أحد حواراته الصحفية: "إن السلام الزائف أخطر من الحرب". وعلى هذا تقوم بدراسة هذا الملمح في أعمال محمد جبريل القصصية والروائية، تحت عنوان "المقاومة .. أو الطريق إلى الجنون" من خلال قصة "نبوءة عراف مجنون" بمجموعة "انعكاسات الأيام العصيبة"، وقصة "حدث استثنائي في أيام الأنفوشي" وقصة "هل" بمجموعة "هل"، وقصة "المستحيل" وقصة "حكايات وهوامش من حياة المبتلي" وقصة "فلما صحونا" وقصة "أحمس يُلقي السلاح"، وقصة "حارة اليهود"، ورواية "من أوراق أبي الطيب المتنبي"، ورواية "النظر إلى أسفل". ولعلها تنطلق إلى دراستها تلك من خلال اعتراف المؤلف في حوار أجري معه عام 1986 بأن القضية التي تشغله منذ سنوات، هي مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي: الحياة والموت، الكينونة وانعدامها، الاستمرار والانقطاع. تلك هي القضية التي تسبق ما عداها من قضايا لأنها قضية المصير العربي في إطلاقه.
وفي آخر كتاب نقدي لها وهو بعنوان "الكتابة بمشرط حاد" تتحدث زينب العسَّال عن أيام جبريل القاهرية، وتبدؤها بعبارة "الإسكندرية لم تضِع مِني" لنتساءل منذ البداية ما علاقة الإسكندرية بأيام جبريل القاهرية؟ لنكتشف أن رواية محمد جبريل هي جزء من سيرته الذاتية على نحو ما، وأن الحديث عن أماكن وشخصيات وقضايا هي سُدى هذا الكتاب. ومن 54 شارع إسماعيل صبري في الإسكندرية إلى 18 شارع سليمان عزمي بالقاهرة.
وتطرح الناقدة وجهة نظر جبريل في قوله: إن نجيب محفوظ أفاد مما قدَّمه محمد حافظ رجب، فلولاه ما كتب روايته "ثرثرة فوق النيل" وتكشف أن ثمة رسائل كثيرة متبادلة بين جبريل ورجب تروي حكاياتٍ وأسرارًا، وتشفّ عن صداقة متينة وصراحة نادرة بين الاثنين.
ومن الموضوعات الأخرى الشائقة التي عرضها جبريل في هذا الكتاب أن توفيق الحكيم كان يستنسخ من كتبه كتبًا أخرى. بمعنى أنه كان ينتقي فصولا من كتبه، ويضمها إلى فصول من كتب أخرى. وهو ما تحدثت أيضا عنه الناقدة في كتابها "أجيال من الإبداع".
وتخلص الناقدة زينب العسَّال إلى أن كتاب جبريل بفصولِه وحكاياته وأسراره التي تُذاع لأول مرة، إضافة لمبدعٍ يعرف متى يبوح بأسراره.
فهل وجد محمد جبريل الوقت المناسب ليبوح بكل أسراره – قبل رحيله – لزينب العسَّال؟
التعليقات