الفيلم الروائي الطويل Hidden figures إنتاج عام 2016 لشركة 20 سينشري فوكس العالمية، هو فيلم دراما أمريكي من نوعية أفلام السير الذاتية إلا إنه عالج الأحداث بالكثير من التصرف الذي لا يخل بالأحداث الحقيقية.
الفيلم مأخوذ عن قصة شخصيات مخفية للكاتبة مارجوت لي شيترلي، سيناريو وإخراج تيودور ملفي.
بطولة تاراجي بيندا هينسون في دور كاثرين جوبل جونسون واوكتافيا سبنسر في دور دوروثي فان وجانيل موناي في دور في دور ميري جاكسون ويشاركهم البطولة كيفين كوستنر في دور آل هاريسون.
يحكي قصة كاثرين جونسون؛ سيدة عبقرية في الهندسة التحليلية وحسابات الفضاء ظهرت عبقريتها منذ الصغر، لم يمنعها كونها إمرأة ملونة وأرملة ترعى بناتها الثلاث من النبوغ في مجال الفضاء متحدية كل العقبات المجتمعية والاجتماعية، هي ورفيقتاها في العمل اللتان تواجهان ظروفا مماثلة، ولكل منهن هدف تسعى إلى تحقيقه لنيل فرصتها وإظهار عبقريتها والبلوغ بها لأبعد مكان تستحق أن تصل إليه متحدية الصعاب التي تجعل مهمتها تبدو مستحيلة، لكنهن بالعزيمة والإصرار يتمكنَّ من تخطي تلك العقبات، ويستطعن تحقيق ما حلمن به من إنجازات أجبرت الجميع على احترامهن.
الصراع في الفيلم يدور بكل شراسة مع خصم قوي ،هو المجتمع الأمريكي وأفكاره العنصرية في حقبة الستينيات في ولاية فرجينيا التي كانت لا تزال تعمل بالتمييز العنصري آنذاك.
يتناول الفيلم قضيتان هامتان، هما قضية العنصرية ضد السود، والتمييز ضد المرأة في حقبة أوائل الستينيات من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية
أول ما يطالعنا على الشاشة، تنويه أن الفيلم مأخوذ عن أحداث حقيقية، ويبدأ بافتتاحية بصرية (أفان تتر) يحدد زمن ومكان الفيلم في منطقة وايت سالفر سبرينجز في ولاية فرجينيا الغربية عام 1926.
يبدأ الفيلم بمرحلة الطفولة لكاثرين وعبقريتها في حل أعقد المعادلات الرياضية التي أهلتها لمنحة متقدمة للدراسة في أفضل مدرسة للسود في الولاية.
دائما ما ترمز حركة السيارة في الفيلم إلى مرور الوقت وانطلاق الأحداث وتطورها. فينتقل بنا المخرج تيودور ملفي مختصرا سنوات طويلة حتى عام ،1961 ومن خلال هذا المحذوف الزمني نتعرف على كاثرين وصديقتيها المقربتين اللتين تعملان معها في قسم المحاسبات الجنوبية الخاصة بالملونات في وكالة ناسا، ونقف على ما يعاني منه السود من اضطهاد ونظرة دونية من المجتمع، متمثلة في نظام العزل الذي جعلهم في الصفوف الخلفية في الأماكن العامة ووسائل المواصلات وقاعات المحاكم والمكتبات وغيرها، ويمنعهم من الاختلاط بذوي البشرة البيضاء بأي صورة من الصور، والتضييق عليهم في ارتقاء المناصب الهامة أو تحصيل التعليم الجيد.
وقد أظهر السياق السياسي في الفيلم، الصراع القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية والسوفيت نتيجة للسباق الفضائي المحتدم بينهما، وكان للروس اليد العليا في تحقيق السبق على غريمهم الأمريكي، فكانت الحاجة إلى عقلية موهوبة في مجال الأرقام لمراجعة النتائج وتحليلها واكتشاف صيغ رياضية جديدة تحل المشاكل القائمة، وتنتقل بهم إلى مرحلة متقدمه تمكنهم من السفر إلى الفضاء، تمهيدا للغاية المنشودة في إرسال أول رائد فضاء إلى القمر.
انتقلت كاثرين للعمل مع مجموعة المشروع الفضائي الأمريكي بوكالة ناسا لحاجتهم الماسة إلى تخصصها لتحقيق التنافس مع السوفيت في الصراع الفضائي القائم بينهما. وقد قررت التعايش مع كل مظاهرالتمييز، بل وقابلتها بالتجاهل، مع محاولاتها الدؤوبة لإثبات تفوقها ونبوغها. كان الحال نفسه مع صديقتيها. فالمعوقات كبيرة مع دوروثي للحصول على منصب مشرفة رغم انها تقوم بكل المهام الخاصة بتلك الوظيفة، وميري التي وضعت العراقيل في طريقها لمنعها من تحقيق حلمها في أن تصبح مهندسة رغم عقليتها الهندسية الفذة، ولا عجب فقد كان هذا هو حال السود جميعا، لكن كانت هناك لحظات مضيئة تخفف من وطأة الأحداث، كلقاء الأحد الذي يجتمع فيه السود في الكنيسة ليبث الأب البشوش في نفوسهم الأمل والتفاؤل والفخر بما حققوه من إنجازات تمثل خطوات ثابنة على طريق التحرر.
تتقابل كاثرين مع عقيد الحرس الوطني جونسون لتبدأ بينهما قصة جميلة وإن كانت بدايتها متوترة.
في ناسا، يصل موكب السيارات الذي يقل رواد الفضاء المختارون من طياري ومشاة البحرية الأمريكية للعمل على مشروعهم الفضائي. وفي هذه الأثناء تكون حدة التعنت العنصري قد بلغت أوجها مع كاثرين من قبل بول ستافورد كبير المهندسين مما كان يضطرها إلى الذهاب يوميا عدة مرات إلى مركز المحاسبات الجنوبية لقضاء حاجتها حيث لا تتوفر دورة مياة للملونين في مقر المجموعة الفضائية، حتى نصل إلى نقطة المنتصف وما تعبر عنه من تحول هام في الأحداث ومستقبل الشخصية، حيث تصطدم كاثرين بمديرها حين يعاتبها بشده على تغيبها المستمر فتنفجر باكية بملابسها المبللة بماء المطر في مشوار الميل اليومي. ليتعرف منها على مأساتها وماتلاقيه من سوء المعاملة والازدراء. يقوم هاريسون بإزالة كافة مظاهر التمييز بيده ليكون كل العاملين بناسا سواسية فالكل يعمل لرفعة أمريكا.
تتطور الحبكة وتبرع كاثرين في مهمتها حتى يسمح لها بحضور اجتماعات مجلس الشيوخ البالغة السرية، وتظهر تفوقا على جميع العاملين في المشروع الفضائي، لتحقق أمريكا أولى انتصاراتها على السوفيت بإرسال "آلان شيبرد" إلى الفضاء والعودة سالما، كما تطورت حياة باقي الشخصيات، حيث نجحت ميري في عرض قضيتها على المحكمة واقناع القاضي بأن يسمح لها بدراسة الهندسة في إحدى جامعات هامبتون، بينما تمكنت دوروثي من تعلم لغة الفورتران لتتفوق على جهاز الآي بي إم، وتدرب فريقها من النساء الملونات ليشكلن اللبنة الأولى لتشغيل هذا الوحش الالكتروني الجديد.
وبينما الاستعدادات النهائية لرحلة جون جلين على متن ميركيوري أطلس تتم على قدم وساق، تحدث الأزمة حين يبلغ السيد هاريسون كاثرين عن انتهاء مهمتها ووجوب عودتها إلى قسم المحاسبات الجنوبية، تتقبل الخبر بحزن شديد وتقرر أن تعيش سعادتها المؤجلة مع جونسون وتتمم مراسم الزواج.
تحدث مشكلة في نتائج الحسابات النهائية التي أجراها جهاز الآي بي إم مما يهدد بإلغاء رحلة جون جلين في لحظاتها الأخيرة. بينما يترقب الشعب لحظة الانطلاق عبر محطات الإذاعة، يصل سام أحد العاملين بمجموعة الفضاء إلى كاثرين في مقر المحاسبات الجنوبية ومعه الملفات لمراجعتها. كانت تسابق الزمن لتعدل الارقام بدقة بالغة مكنت الرحلة من الانطلاق في موعدها المحدد.
يصل الفيلم إلى ذروة الأحداث حين تضاء أحد الأزرار في غرفة التحكم الخاصة بالدرع الحراري الواقي للكبسولة التي ستعيد جلين إلى الأرض، الأمر الذي يهدد باحتراقها وعدم امكانية إعادة جلين الى الأرض سالما مما ينذر بفشل الرحلة ككل.
تسود حالة من التوتر الشديد بين الخوف على مصير جلين والتعاطف مع كاثرين، وبين الأمل في أن تمر الأحداث بسلام وتنجح المهمة.
تتعاون كاثرين مع السيد هاريسون والسيد زلينسكي للخروج من الأزمة، وتتم الرحلة بنجاح ويعود جلين سالما، لكن مع عدد دورات أقل حول الارض.
يهنئ الجميع كاثرين عللا دورها الوطني، ويناقش معها هاريسون مشروعهم التالي للهبوط على القمر، فلا يمكن الاستغناء عن عبقريتها في ذلك المشروع الجديد .
وقد استخدم المخرج في نهاية الفيلم تقنية الفوتومونتاج، لعرض ملخص لمصير أبطال الفيلم فقام بعرض مشاهد تسجيلية للاستقبال الجماهيري لجون جلين.
ومشاهد لميري وكيف أصبحت أول مهندسة أمريكية إفريقية بناسا. ودوروثي في وظيفتها كأول مشرفة امريكية ملونة وخبيرة في لغة الفورتران لتستقبل اول دفعة من المتدربات ذوات البشرة البضاء.
أما كاثرين فتواصل كتابة الملاحظات والحسابات عن تكنولوحيا الفضاء، وقد نالت احترام الجميع، حتى أن ستافورد يحضر لها كأس القهوة بنفسه لتستمر في أداء مهمتها.
في النهاية، تظهر على الشاشة صور للبطلات الحقيقيات مع عنوان الفيلم، لنعلم أنها لم تكن فقط أرقاما مخفية في برنامج الفضاء الأمريكي، بل نساء مهمشات حققن الإنجاز وبلغن بفضل إصرارهن أعلى درجات الشهرة والنجاح.
وقد رشح الفيلم لثلاث جوائز أوسكار في عام 2017 كأفضل فيلم وأفضل ممثلة أوكتافيا سبنسر وأفضل سيناريو مقتبس.
التعليقات