أقبل الشتاء… صديقي القديم الذي رافق طفولتي، فصلٌ تجتمع فيه كل المتناقضات، أو لعلّه فصل التنوع والشمول بكل معانيهما.
تشرق فيه أيامٌ دافئة بنور الشمس، وتتلوها أخرى غائمة محمّلة بالبرد والصقيع… مطرٌ خيره عميم، ونقاءٌ يغسل ظواهر الأشياء وبواطنها معًا.
تغتسل أوراق الشجر فيظهر لمعانها الحقيقي وجمالها الخفي، مطر يكشف جوهر الكون كما يطهّر القلوب ويوقظ فيها بذور الخير والنماء.
هو فصل السيول الجارفة والأعاصير المدمرة، ومع ذلك يبقى عزيزًا، تهفو إليه القلوب وتلهج به الدعوات، إذ لا غنى عنه ولا حياة تستمر بدونه.
فضله عظيم في تجدد الكون ودوام خضرته، هو الغوث للملهوف، والرحمة المسكوبة على الأرض، ومع هذا لا يلقى من الشكر قدر ما يمنحه من عطائه الواسع.
في الشتاء تجتمع آيات الله وعجائبه؛ لا تشتاق أمرًا إلا وجدته متجسدًا في أحد أيامه.
أصعب ما فيه هو أجمل ما فيه: برودته دفءٌ يدنيك من بيتك، من عائلتك، من ملابسك الدافئة وكوبك الساخن.
مطره رغبة في غسل غبار العمر، ترى أثره في حياة الآخرين وأنت ترقبه من خلف نافذتك؛ بجوار مدفأتك.
حتى السعي في أيامه له مذاق لا يتكرر؛ إذ تتحد مع الطبيعة في رحلة الرزق والخير للجميع.
هو فصل العطاء والتكافل، انسجامٌ بين الأرض ومخلوقاتها، وبين البشر بعضهم وبعض، حيث يستيقظ الشعور بحاجة الآخرين وتتقد الرغبة في إسعادهم.
الشتاء فصل يفرض على المخلوقات هدنة إجبارية، تبطئ فيها عجلة اللهاث المادي، ويُسمع فيها للروح صوتٌ كان يختفي تحت ضجيج الفصول الأخرى.
الشتاء… بجماله وجلاله، فصلٌ يمثلني.
التعليقات