الاقتباس في اللغة من قبس، أي شعلة النار. واقتبس منه نارا وعلما، أي استفاد .
واقتبس عنه هذا التعبير، بمعنى نقله أو أخذه، واقتبس من الشعر أو النثر: أي أخذ فكرة أو عبارة وصاغها صياغة أخرى.
واقتباس كلمة مفردة، جمعها اقتباسات ومعناها، عبارة أو فكرة أو أسلوب منقول أو مستوحى من مصدر أساسي، وكذلك تعني نقل من لغة إلى لغة أو من مجتمع حضاري إلى مجتمع آخر.
والاقتباس كمصطلح أدبي، وبحسب "معجم بنجوين للمصطلحات الأدبية "، الاقتباس: يعرف بشكل عام على أنه إعادة صياغة عمل في وسيط معين ليناسب وسيط آخر مثل إعادة صياغة الروايات والمسرحيات كأفلام أو سيناريوهات للتلفزيون
وعن رأي المختصين، يرى سيد فيلد: أن تقتبس معناه، أن تترجم وسيطا إلى وسيط آخر وهو يُعرف الاقتباس بأنه القدرة على خلق المناسب أو الملائم عن طريق التغيير (في البناء والوظيفة والشكل مما ينتج عنه تعديلا أفضل).ٍ
وعند محمود قاسم: الاقتباس هو تناول معالجة سينيمائية عن رواية، وتعني الاستيلاء على النصوص التي كتبها آخرون ومعالجتها مرة أخرى سواء تم ذكر المصدر الأصلي أم لا.
في حين يرفض مدكور ثابت تناول الأعمال الأدبية في السينما باعتبارها شكل من أشكال الترجمة، واعتبره شكلا من اشكال التكييف نظرا لما تتضمنه صياغتها من معنى التطويع.
وبناء عليه، فإن تناول النص المسرحي في السينما يندرج تحت مسمى الاقتباس. فالاقتباس يعبر عن نقل المحتوى من وسيط تعبيري إلى وسيط تعبيري آخر له خصوصياته وأدواته فالكلمة أداة العمل الأدبي، والصورة أداة العمل السينمائي بالأساس.
يخلق الاقتباس قصة جديدة تختلف عن الاصل الأدبي تجعل السرد الروائي والشخصيات في حالة استقلال عن الأصل الأدبي.
وقد يخلق الاقتباس نجوما مثل الحلقات التلفزيونية القصيرة " Pride and Prejudice" حيث اشتهر الممثل كولين فيرث بدور دارسي والممثلين إيوان ماكجريجور وروبرت كارليل.
إن تاريخ المسرح والأدب والسينما وغيرهم من الفنون هو نفسه تاريخ الاقتباس، إذ هو أساس البدايات الاولى للأعمال الكلاسيسكية في كافة الثقافات تقريبا، فقد قامت أعمال إسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس على اقتباس الأساطير والملاحم الإغريقية، ولم يتوقف الاقتباس برحيل هذه الثقافة، فقد اقتبس المسرح الديني في العصور الوسطى القصص الدينية وحياة القديسين وقدمها داخل جدران الكنيسة، كما اقتبست الأساطير القديمة والقصص الخرافية في مسرحيات شكسبير. وقد عرفت الثقافة الإليزابيثية باقتباس كل شيء وتحويله إلى نصوص مسرحية وهو ما نراه في كثرة الأنواع الفرعية للميلودراما في العصر الفيكتوري.
ومن الاقتباسات السينمائية المبكرة للإنجيل ؛ قدم الإخوة لوميير 13 مشهدا في الفيلم الفرنسي "الحياة وآلام السيد المسيح".1897
وقد استخدم الاقتباس من الاعمال الأدبية في العقد الأول من القرن 20 كحيلة لإضفاء شرعية على الذهاب الى السينما لاجتذاب الطبقة المتوسطة الى دور العرض، واعتبرت تبعا لذلك كقيمة تعليمية للأمة.
يقول الناقد الفرنسي أندريه بازين: " إن وصف وتصوير الفيلم يخلق ميثولوجيا جديدة تماما توجد خارج النص الأصلي".
وقد ظهرت ثلاث اتجاهات من الاقتباسات الأدبية:
الأول: الفكرة الأكثر تقليدية بالاعتماد على الكلاسيكيات الأدبية.
الثاني: اقتباس النصوص المسرحية الى شاشة السينما.
الثالث: اقتباس نصوص معاصرة ليست من الكلاسيكيات لكن يمكن أن تصبح يوما من القصص الشعبي المحبوب.
ويظل الاتجاه الثاني هو الاكثر إخلاصا للنص الأصلي مع قابليته للتجديد ومواءمة للعصر.
وتتسم الاقتباسات من المصادر الكلاسيكية بدرجة أقل من الشفافية، والنتيجة ظهور عمل هجين لكنه يفوح بنوستالجيا لزمن مضى أو قِيم لم تعد موجودة كأعمال جين أوستن وإي إم فوستر.
ويعد الفارق الجوهري بين الكلمة والصورة البصرية السمعية، هو ما يرسي أساسا هاما عند ترجمة الرواية المكتوبة إلى رواية سينمائية تبدأ بالبحث عن المعادل السينمائي للكلمة المكتوبة، فهناك فرق في الطول الزمني اللازم لاستيعاب المتلقي لأحداث السياق الروائي مما يتطلب تركيزا لأحداث الرواية في الفيلم السينمائي، فما يمثل ميزة في الرواية قد يتحول إلى نقيصة قاتلة في الفيلم، كالأحداث الفرعية والتحليلات النفسية، كذلك نقطة البداية هي إحدى القواعد العامة التي يجب مراعاتها في الفيلم المأخوذ عن رواية، فالبناء الدرامي للفيلم لا يسمح بالتمهيد بل يدخل في الأحداث مباشرة.
وفي الرواية يتنقل الكاتب بين الماضي والحاضر بحرية كسياق واحد متصل، أما الفيلم فيعطي انطباعا أن احداثه تجري في الحاضر وتأخذ الاحداث تسلسلها التاريخي لوقوعها والرجوع للماضي يكون في أضيق الحدود وللضرورة.
وفي تصوير الشخصية والمكان‘ الرواية يكون التوقف مع كل شخصية ويقدم تفاصيلا لأبعادها المادية والاجتماعية والنفسية، وفي الفيلم، ظهور الشخصية لأول مرة يعد وصفا لبعدها المادي فقط وأما بعديها الاجتماعي والنفسي فإنها تصل للمشاهد بالتدريج من خلال فعل الشخصية أو مايقوله الآخرين عنها.
كذلك المونتاج يعتبر المعادل السينمائي لكثير مما يملكه الأديب في لغته الوصفية.
والفيلم يتطلب انتاجه أموالا طائلة ويتطلب استعادة هذه الأموال مع هامش ربح مناسب.
وهناك مرحلتان تجسدان ظاهرة الاقتباس في السينما المصرية
المرحلة الاولى من 1927 – 1958 وقد أنتج وأخرج ما يقرب من 1000 فيلم 25% منها فقط من الأدب المصري، وكانت الأعمال الأدبية الفرنسية والإنجليزية هي المصادر الأساسية للسينما المصرية كفيلم (البؤساء) إخراج كمال سليم، و(سفير جهنم)، و(الزوجة السابعة)، وكانت كأنها تخاطب مجتمعا لا علاقة له بالبيئة المصرية. لكن البعض كان مأخوذا عن نصوص مصرية مثل (أخلاق للبيع) المأخوذ عن (أرض النفاق )ليوسف السباعي و (لقيطة) لمحمد عبد الحليم عبد الله التي تحولت إلى فيلم (ليلة غرام). ثم تلا ذلك فيلم (أثار على الرمال) و(إني راحلة) ليوسف السباعي ثم (الله معنا) و(الوسادة الخالية) و(أنا حرة ) و(لا أنام) و(الطريق المسدود) شهد تعاونا بين صلاح أبو سيف وإحسان عبد القدوس، وسميت تلك الفترة بالمرحلة الرومانسية الممزوجة بالواقعية عند صلاح أبو سيف.
المرحلة الثانية: تبدأ من 1958 وحتى نهاية الستينيات، وغلب عليها الاقتباس لكن أعادت ترتيب العلاقة بين السينما المصرية والأدب العربي، وكان هدفها إيجاد معادل سينمائي يحاكي البيئة المصرية فحدث الارتقاء بفن كتابة السيناريو كعمل محترف منفصلا عن عمل المخرج، لكنه كان نقلا غير حرفيا يناسب المسرح أكثر من السينما، كعلي الزرقاني والسيد بدير ومن أهم الأفلام: (آه من حواء) عن مسرحية شكسبير (ترويض النمرة)، و(أيام ضائعة) عن مسرحية (أعمدة اللهب) لهنريك إبسن وفيلم (رد قلبي) و(بين الأطلال) ليوسف السباعي. في هذه الفترة بدأ نجيب محفوظ كتابة السيناريو السينمائي لأفلام تدور في الأحياء الشعبية، ولكن بداية تنبه السينما لأدب نجيب محفوظ كانت في عام 1960 عندما تحولت روايته بداية ونهاية إلى فيلم حمل نفس الإسم وأخرجه صلاح ابوسيف، حيث قام كاتب السيناريو بإحكام حبكة الأحداث بالحذف والإبدال والضغط وإضافة أحداث جديدة لم تكن في النص الأصلي، لكن دون أن يخل برؤية كاتب العمل الأدبي، شرط أن يحصل في النهاية على أحداث قابلة للتصوير، كذلك ترجمة الأخبار أو الذكريات أو الحالة النفسية إلى حدث ظاهر مع الأحداث التي يتم نقلها نقلا شبه مباشر من الرواية، وقد وصل الإعداد السينمائي في فيلم بداية ونهاية لدرجة من النضج والأمانة في ترجمة الرواية رغم كونه محكوما بحدود السيناريو السينمائي. ولا ينافسه في ذلك سوى عدد قليل جدا من الأفلام.
والاقتباس السينمائي ذو أهمية بالغة حيث يساعد في توسيع نطاق الإبداع من خلال تحويل الأعمال الأدبية أو الحقيقية إلى أفلام تمنحها بُعدًا بصريًا ودراميًا جديدًا. كما يسهم في نشر الثقافة وجعل الأعمال الكلاسيكية أو القضايا المهمة أكثر وصولًا للجمهور، كما يمنح صُنّاع السينما قاعدة جماهيرية مسبقة ويختصر وقت تطوير القصة، مما يسهل إنتاج أفلام قوية ومؤثرة.
المراجع:
كتاب (روايات يوسف السباعي بين الواقع والشاشة) لدكتور إسلام علي جعفر
كتاب (دينامية الفيلم) تأليف جوزيف وهاري فيلدمان. ترجمة محمد عبد الفتاح قناوي.
كتاب ( دراسات سينمائية للمفاهيم الرئيسية) سوزان هيوارد، ترجمة نهاد ابراهيم، تقديم علي أبو شادي.
التعليقات