[الشمس غاضبة من قلوبٍ عرجاء ضل سعيُها بين خواءٍ وجفاء.. طرقات تتلاشى جوانِبُها جدباء صماء لا زرع فيها ولا ماء .. ها الغيط الأخضر تحرسه أشجار عارية وتتدلى وريقاتها مثل الدلاء .. وبيوت فقيرة على رؤوس الأشهاد لا رطب فيها ولا جمال غناء .. تعب هي الحياة كحيلة العيون لكنها عمياء.]
[شمسي اليوم لطيفة حانية تدفيء قلبي بذكاء .. تلك الطرق تتلاشى جوانبها ممهدة الطريق لقلب لن يجلس حسيرا في عزاء .. ها الغيط خضاره يغريني تحرسه تلك الباقيات الظليلة صانعة المروج من الصحراء .. بيوت المكافحين يملؤها الصبر ورغبة في حلو البقاء .. كريمة تلك الدنيا وإن أغمضت عينيك تطرب أذنيك بعذب الغناء.]
صديقي، في رحلتي بالقطار إلى الإسكندرية شاهدت صور كثيرة للحياة. شاهدت غروب الروح وبزوغ الأمل. تحديت روحي وقاموس لغتي أني استطيع أن أُعَبِر عن نفس المشاهد التي مرت على عيني وروحي مرة بكل الألم والبؤس والحسرة ومرة أخرى بكل الأمل والرغبة العارمة في التمسك بأطراف الحياة.
أنت ترى دنياك بقلبك، أما وظيفة عينيك أنها تنقل الصورة إلى داخل عقلك لتسمع ترددات روحك بطريقة أو بعكسها وفقا لاختيارك.
البؤس إختيار .. والسعادة قرار وتقبل أقدار.
نفس الصور والمشاهد التي مرت على عقلي أوحت إلي قلبي لحظة بالموت والخذلان ولحظة أخرى بنغم يرنو في روحي بالكثير من بِر الحياة.
إذا كان لديك القدرة على استجلاب الجمال ورؤية الأشياء المنقوصة على هيئة أهِلّة سيأتي يوما وتكتمل، فعارٌ عليك أن ترى ظل الشمس غضب. ربما أراد الله لك أن تحصل على دفئك من سعيك وليس من خيوط يسطع بريقها قلقا لمقلتيك.
إن أعظم أجرك في الدنيا تحصل عليه عن الجهاد. جهاد العبادة أو جهاد في سبيل الله أو جهاد انتظار الثمر من الأشجار كل عام.
لن تحصل على شيء لأنك تتمناه، بل لأنك بذلت ما في وسعك ووجعك لتتلقاه.
في يوم ما ستمر أيامك شريط سريع كما يطوي القطار الطرق والغيطان والجداول والأنهار. ستكون لعربة القطار محطة أخيرة وحيدة، أفلا تستحق تلك الرحلة بعض الجهاد في تلك السويعات القِصَار.
توقف القطار عدة مرات دون محطته، لكن عادت عجلاته إلى الدوران. لا تطالب الركاب ولا قائد المسار بتبرير التوقف أو اكمال المسار. الرحلة برمتها تتوقف على رؤيتك وقدرتك على تحييد النواقص وجعلها مُكًمِّلات مبهجات .. فلتجعلها مُكَمِّلات مبهجات.
لو أشرقت الشمس فأنت دافيء تحت وهجها، ولو حُجِبت فتحت مساند الظل الجميل يقبع صبرك وسعيك لتذهب به حيث يود قلبك الذهاب والبقاء.
عجيب عقل البشر قادر على فعل الخير والشر، قادر على التواجد والمغادرة وقادر على أن يجعلك أيضا حيّ أو غائب.
تفكرت كثيرا هل نحن مسيرين أم مخيرين؟ إذا كان الله تعالى عنده علم الغيب ويعلم عنا كل ما كُتب فكيف يكون لي اختيار؟
فكرة أن الله يعلم كل ما كتب لك أو عليك لا تنفي أبدا أنه في كل الأوقات يتفقد اختيارك، أنه في كل الأوقات يطل على قلبك ويقيّم إحساسك بأنعمه، وأن عليك في بعض الأحيان أن تجتهد ويصيبك الدور أو تجتهد وتتعثر وتبقى في كل الأوقات يلتحفك الرضا والشعور بالاكتفاء، وأنك أخيرا بصدق الدعاء قادر برحمه من الله على تغيير سوء المسار .
تلك المهارة الحياتية هي أكثر ما يجعل نظرتك لدنيتك رحبة، هي ما تجعل عينيك تختار الرؤية لما وراء الأشياء فتُخرِج من تضاد الصور صورة معدلة أكثر مطابقة للأمل وأكثر إشباعًا ورخاء.
غاية كل محنة وكل كبوة أن تؤدي بك إلى طرق أكثر استقامة، أن تستخدم ضوء الشمس في النهار فإذا ذهبت تحمل بين راحتيك مصباح إيمانك بمقولة أن بعد كل ليل دامس لابد أن يأتي دفء الصباح.
التعليقات