استطاع الناقد د. شكري محمد عيَّاد (1921 – 1999) قبل رحيله أن يجمع عددًا من مقالاته التي كتبها على مدى أكثر من ست سنوات، وتدور كلُّها في فلك علاقتنا بالغرب، سواء كانت علاقة سلبية أو إيجابية، ونشرتها سلسلة "كتاب الهلال" في عددها 477.
وقد خصَّص شكري عياد عددًا من المقالات للرد على مزاعم بعض المستشرقين، منهم الأمريكي وليم بولك صاحب كتاب "السلام المراوغ في الشرق الأوسط في القرن العشرين".
ومن هذه المقالات: حقائق وأساطير في الشرق الأوسط، والمقدرة بين التاريخ والسياسة، وفي هذا المقال الأخير يقول عيَّاد: من الجائز جدا ان وليم بولك ألَّف هذا الكتاب وهو غاضب ومعتزل في القرية اليونانية، لأن وزارة الخارجية الأمريكية لم تأخذ بآرائه في سياستها نحو الشرق الأوسط، ثم يعلق عياد قائلا: من وجهة نظرنا نحن، فإن المؤلف لم يقترب كثيرًا من فهم مشكلات العرب، بل لعله غالط نفسه في أمور كثيرة، وربما كنا نحن العرب أشد نقدًا لأنفسنا من أعدائنا وأصدقائنا على السواء، ولكننا نعرف مثلا أن ثورة 1919 المصرية لم تكن مجرد شغب طلاب، كما زعم بولك، وأن ثغرة 17 أكتوبر 1973 (ثغرة الدفرسوار) لم توشك أن تؤدي إلى هزيمة مذهلة للجيش المصري، بقدر ما كادت تشعل حربًا شعبية أوقفتها القيادة السياسية المصرية.
بالإضافة إلى أن الأمريكي وليم بولك، هناك المستشرق البريطاني برنارد لويس وكتابه "الشرق الأوسط والعالم الغربي" وقد خصَّ عياد هذا الكتاب للرد على مزاعمه ومن هذه المقالات: اليهود في الإسلام، وغربي عن التعريب، وفي المقال الأخير يذكر عياد رأي برنارد لويس في مصطلح "الشرق الأوسط" حيث يذهب الأخير إلى أن مخترع هذا المصطلح هو مؤرخ عسكري أمريكي متخصص في تاريخ البحرية، وقد أطلقه في سنة 1902 على المساحة الواقعة بين بلاد العرب وشبه القارة الهندية، ولم يزل يتداوله الكتَّاب العسكريون والصحافيون وحتى الجغرافيون بمعانٍ متفاوتة إلى أن أصبح يُطلق على المنطقة الممتدة من البحر الأسود إلى أواسط أفريقيا، ومن الهند إلى المحيط الأطلسي.
احتوى كتاب "نحن والغرب" على تقديم وثمانية وعشرين مقالا، نشر معظمها في عدد من المجلات والجرائد المصرية والعربية، ولكنها تنتظم جميعا تحت مجهر مؤلفها الناقد المعروف د. شكري محمد عيَّاد، وهي لا تخلو من هموم سياسية وثقافية، ولكنها تبتعد كثيرًا عن وجهة النظر الأدبية النقدية التي عرفناها عن المؤلف، والتي تتلمذ كثير منا عليها، ولكنها من جهة أخرى تنطلق من قاعدة نقدية راسخة وواعية ومبصرة هي قاعدة النقد الاجتماعي والسياسي والثقافي الشامل.
ويبدو أن الناقد الأدبي الحصيف والمثقف عندما تتسع رؤيته الثقافية، وتتعمق نطراته الاجتماعية والنفسية، وتغوص نظراته الفلسفية في عمق المجتمع المحلي والعربي والعالمي، يجد أن النص الأدبي أصبح ضيقًا عليه، وأن هناك أمورًا وقضايا مصيرية إسلامية وعربية وعالمية أكثر خطورة من نص أدبي يعالج فيه أديب ما قضية مهما كانت أهميتها فإنها تظل أكثر محدودية وأقل إنسانية مما يموج به عالمنا المعاصر من تيارات فكرية واتجاهات إلحادية، وقضايا كونية في غاية الخطورة، ولعل هذا الأمر هو ما حدا بالدكتور شكري عياد إلى القول في مقال له بعنوان "التغيير": لم يعد لنا خيار؛ إما أن نبني ثقافتنا الخاصة، وأما أن نذوب فيهم (أي في الغربيين). أما أن تكون لنا مدارسنا العربية في الأدب وعلم اللغة وعلم الاجتماع وعلم النفس، وأما أن يظل ما عندنا صورة ممسوخة مما عندهم.
التعليقات