أقيمت مؤخرًا احتفالية رائعة لتكريمنا بمدينة الإسماعيلية، فريق برنامج "أوراق البردي" الإذاعي، سيدة المسرح العربي سميحة أيوب، الفنان القدير محمود الحديني، وصاحب هذه السطور كاتب ومخرج البرنامج، وبعيدًا عن تفاصيل حفل التكريم والكلمات التي قيلت في هذه المناسبة الجميلة والرائعة مثل أهل مدينة الإسماعيلية، قابلتُ من ضمن فريق العمل بأسرة "إضاءات نقدية" برئاسة الشاعر أحمد إسماعيل والكاتبة فاطمة البيك، المسؤولة عن حفل التكريم، التقيتُ بالكاتب محمد حمودة، كان التعارف بسيطًا ولا يحتمل غير البدايات، نظرًا لتسارع أحداث اليوم، ومع نهاية هذا اليوم أهداني الكاتب "محمد حمودة" كتابين من أعماله الأدبية المنشورة مع إهداء لطيف وانتظار رأيي الخاص بعد القراءة، فوعدت بذلك وأنا أتمنى أن أجد الوقت المناسب لذلك.
الكتاب الأول كان بعنوان "حكايات الـ 49" والثاني بعنوان "حكايات الخاتم"، بعد عدة أيام قضيتُها في إنهاء بعض الأمور المتعلقة بالعمل، وجدتُ الكتب المهداة أمامي، فحملتُ رواية "حكايات الـ 49" وبدأتُ القراءة.
وجدتُ أمامي عالم من الحكايات السريعة المتلاحقة، كل حكاية أربع أو خمس صفحات تقريبًا يحكيها البطل، فيما يزيد عن الـ 230 صفحة، مع طباعة متوسطة الجودة ودرجة خط صغيرة فيما يبدو توفيرًا لنفقات الطباعة.
مع بداية القراءة وجدتُ الراوي يحكي مستخدمًا العامية، وهو في الحقيقة أمر أشعر معه بغصة، فالروايات لابد وأن تكون بالفصحى وعند اللجوء إلى "العامية" يكون في الجُمل الحوارية فقط، أما أن يكون السرد والحوار بالعامية؟! فهذا ما لا أشعر معه براحة كاملة أو حتى جزء منها.
لكني وجدتُ نفسي أستمر في القراءة، الحكاية تنقلني إلى التي تليها ثم ما بعدها وهكذا حتى توحدتُ مع بطل العمل وتعايشتُ مع حكاياته المثيرة، الأمر الذي جعلني أتأمل نفسي مرة أخرى.. وأتساءل: أنا أقرأ رواية بالعامية؟!
الحقيقة هي ليست بالعامية التي قد يتخيلها الفرد حينما يسمع كلمة "العامية"، إنما هي "عامية" تحتل الدرجة التالية للفصحى البسيطة الخفيفة، هي عامية توشك أن تكون فصحى، ويا ليتها كانت فصحى، لكانت الرواية مكتملة الأركان ويسهل لها المشاركة في المسابقات التي ترتكز على أساسيات أهمها فصاحة اللغة.
وللتوضيح أضرب مثال سريع بفقرة واحدة كما يلي "كان سني بالضبط عشر سنين، كنت وقتها في الإسكندرية، في منطقة اسمها شارع الترعة، ده كان من تسعة وثلاثين سنة تقريبا، كنت شقي قوي، أبويا يروح الشغل الصبح من هنا وأنا أنزل الشارع من الصبح مطلعش إلا بليل، في اليوم دا نزلت ويا ريتني ما نزلت".
وهذه العامية وإن كانت مناسبة للحكايات، فهي مناسبة أيضا للانتقال بالقارئ من كونه أمام عمل أدبي، إلى الجلوس في حضرة "مستر حمودة"، هكذا يُطلق الكاتب على الراوي، وهو يحكي حكاياته الشخصية التي تجعلك تشعر بأنه لم يُؤلف كلمة واحدة منها، إنما هو يسرد ما مرَّ به فقط خلال حياته السابقة، يجعلك بأسلوبه الشيق تُصدق حكاياته، بالرغم مما تحمله من عالم غرائبي يصعب على الكثير تصديقه، حكَّاء يجعلك تتقبل وجود هذا العالم "عالم الجن" في سلاسة وبساطة، بل وتتقبل أنك قد تمر في أي يوم من الأيام بأحداث أبطالها من هذا العالم، ثم تجد نفسك مأخوذ إلى عالم الأذكار والتحصينات والكشف و....
عمومًا "حكايات الـ 49" وإن كانت تحمل الكثير من الإثارة، فأعتقد أنها لا تحتمل الرؤى النقدية فيما يخص المضمون، لأننا كما اتفقنا هو مضمون عن عالم لا تحكمه قواعد المنطق الإنساني، إنما هي حكايات تحتمل الإشادة بكونها تأخذك إلي عالم من التسلية والإمتاع وهما من أهم أهداف الأدب.
بعيدًا عن التقييم ورغبتي أن لو كان السرد بالفصحى، فالحكايات "حكايات الـ 49" للكاتب محمد حمودة، أحد أعضاء أسرة إضاءات نقدية، هي حكايات ممتعة، وقد أثارت بداخلي رغبة تحويلها ذات يوم إلى حلقات درامية.
التعليقات