طبيعي ألا يُلم أحدنا بكل المعلومات عن المبدعين وما أبدعوه في مختلف المجالات، لكن ما إن تقع يدي على منتج إبداعي يستحق التقدير، فأسرع للبحث عن المبدع صاحبه، وهذا ما حدث معي حينما وقع بين يديَّ كتاب "مصر في الحرب العالمية الأولى"، الكاتبة دكتورة لطيفة محمد سالم، ليتردد صوت بداخلي يهمس "يا للهول.. مَن هذه المؤرخة والكاتبة التي لا أعرفها؟!"، وكانت المفاجأة حينما بحثتُ؛ فوجدتُ أني أمام قامة وقيمة مصرية يجب أن تُكرم على كافة الأصعدة في مختلف المحافل، أمام قيمة لابد وأن يُصنع لها ولأمثالها تماثيل توضع في مداخل الجامعات عامة وكليات الآداب والتربية خاصة.

ولما كان الأمر تقصير مني، أقصد معرفتي الحديثة بها، قررتُ كتابة هذه الكلمات للمشاركة في التعريف بها لمن لم يعرفها من قبل لظروف حالت دون ذلك، وليس تقصيرًا، فالإبداع والمبدعين كُثر، لكن دعونا نقترب أكثر ممن هذه العالمة المصرية والذي أُطلِق عليها لقب "أم المؤرخين".
لطيفة محمد سالم، مؤرخة وكاتبة مصرية بارزة، وُلدت في الإسكندرية، وتُعتبر واحدة من الشخصيات الأكاديمية الرائدة في مجال التاريخ الحديث والمعاصر. تشغل منصب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المتفرغ بكلية الآداب في جامعة بنها، حيث قدمت إسهامات قيمة في هذا المجال.
حصلت لطيفة سالم على ليسانس آداب (تاريخ) بتقدير جيد جداً من كلية الآداب جامعة الإسكندرية عام 1965. ثم تابعت دراساتها العليا، حيث حصلت على ماجستير في الآداب (تاريخ حديث ومعاصر) بتقدير ممتاز عام 1970 من كلية الآداب جامعة القاهرة. وفي عام 1979، نالت درجة الدكتوراه في الآداب (تاريخ حديث ومعاصر) بمرتبة الشرف الأولى من نفس الجامعة.
بدأت لطيفة سالم مسيرتها الأكاديمية بالتعيين على درجة مدرس مساعد بكلية التربية – جامعة بنها في 27 فبراير 1978. وفي 16 سبتمبر 1979، حصلت على درجة مدرس، وتقدمت في مسيرتها لتصبح أستاذ مساعد في 9 نوفمبر 1983، ثم أستاذاً في 28 مارس 1988. تولت أيضاً مسؤوليات إدارية متعددة، منها رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب من 23 فبراير 1997 إلى 20 مايو 2001، ووكيل كلية الآداب لشئون الدراسات العليا والبحوث من 22 مايو 2001 إلى 31 يوليو 2003.
أمضت فترة إعارة إلى كلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة (المملكة العربية السعودية) من أول سبتمبر 1989 إلى 15 يوليو 1995.
تلقت لطيفة سالم عدة منح علمية، منها منحة تفرغ علمي (1966-1969) في كلية الآداب - جامعة الإسكندرية، ومهمة علمية إلى إنجلترا لمدة عام (1982/1983). وقد حصلت على العديد من الجوائز تقديراً لإسهاماتها الأكاديمية، منها جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية (تاريخ) عام 1984، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1986، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 2000.
لطيفة سالم ناشطة في العديد من اللجان العلمية والمجالس الأكاديمية. فهي عضو في اتحاد المؤرخين العرب، وعضو في اللجنة العلمية بمركز تاريخ مصر المعاصر. كما شاركت في لجان متعددة بالمجلس الأعلى للثقافة والمجلس الأعلى للجامعات.
قدمت لطيفة سالم إسهامات بارزة في مجال التاريخ من خلال مؤلفاتها، التي تشمل: (القوى الاجتماعية في الثورة العرابية - الحكم المصري في الشام - مصر في الحرب العالمية الأولى - المرأة المصرية والتغيير الاجتماعي من 1919 إلى 1945 - النظام القضائي المصري الحديث - عرابي ورفاقه في جنة آدم - الصحافة والحركة الوطنية المصرية - تاريخ القضاء المصري الحديث - أزمة السويس (1954 – 1957) - فاروق وسقوط الملكية في مصر (1936-1952) - فـاروق من الميـلاد إلى الرحيـل (1920-1965) - فاروق الأول وعرش مصر (بزوغ واعد وأفول حزين) - تطور أوضاع المرأة المصرية) هذا بالإضافة إلى العديد من الدراسات والتحقيقات والأبحاث التي تناولت موضوعات متعددة تتعلق بالتاريخ المصري.
لطيفة محمد سالم تمثل نموذجاً يحتذى به في مجال التاريخ، حيث تجمع بين البحث الأكاديمي والنشاط الاجتماعي. إن إسهاماتها العلمية والمهنية تجعل منها شخصية بارزة في تاريخ الفكر الأكاديمي المصري، وتستحق التقدير والاحترام من جميع الأوساط الأكاديمية.
التعليقات