اليوم التاسع على التوالي ولم تقم إيران وأذرعها بالرد على إسرائيل بعد حادث استهداف إسماعيل هنية في طهران، رغم توعدهم بالرد. وقد توقعت في مقالات سابقة، وفقا لقرائتي للمشهد الإيراني، أن الضربات ستأتي لا محالة وستكون محدودة، نوعية، تراعي الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل في عدم المساس بالبنية التحتية وكذلك المستوطنين. حتى خرجت علينا صحيفة إيران إنترناشونال اليوم بخبر يؤكد أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان طلب من خامنئي عدم الرد على إسرائيل أو توجيه أي ضربات لها.
وهذا ما دفعني كباحثة في الشأن الإيراني للتعمق أكثر في الأسباب التي قد تكون دفعت بالرئيس الإيراني للضغط على المرشد الأعلى للتراجع عن استهداف تل أبيب. في وقت يشعر فيه المواطن الإيراني بالخوف وتأكد للعالم أن المؤسسة العسكرية الإيرانية مخترقة من قبل الموساد والمخابرات الامريكية .رغم قيام خامنئي بتغيير ثلاث قيادات خلال عامين فقط كانوا يتولون مكتب مكافحة التجسس في الحرس الثوري الإيراني ومنهم طائب والكاظمي. فما هي الأسباب التي قد تؤدي إلى تراجع إيران عن ضرب إسرائيل أو توجيه ضربات لا تحدث أي خسائر؟
الحفاظ على المكاسب الإيرانية من مقتل هنية
لا يمكن إخفاء المكاسب التي حصلت عليها إيران من التأخر في الرد على تل أبيب. ثارا للهيبة العسكرية الإيرانية ولمقتل هنية داخل طهران. وهذه المكاسب من وجهة نظري تشمل مكاسب عسكرية بصفقات تسليح تم الاتفاق عليها بين طهران وكل من روسيا وباكستان وكوريا الشمالية، وصفقات تجارية مع الصين بالإضافة إلى إعادة تنظيم صفوف الميليشيات الإيرانية في المنطقة كأحد الأدوات الرئيسية التي سترد بها إيران على تل أبيب. ومنهم الحوثي الذي ظفر بقطع غيار مسيرات دخلت عبر ميناء الحديدة مؤخرا وحزب الله الذي حصل على مسيرات حديثة من نوع شاهد 101 وصواريخ باليستية تضاف إلى ترسانة الصواريخ لديه والتي تقدر بـ200 ألف رأس صاروخي قادر على حمل مئات الكيلوجرامات من المتفجرات. وإنشاء تحالف دولي داعم لإيران فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل في تكوين مثيله دفاعا عن الأخيرة في المنطقة.
من وجهة نظري، فإن إيران لن تفوت أبداً إنشغال العالم في قضية مقتل هنية والاستفادة من ذلك في تحقيق مزيد من الخروقات النووية بمضاعفة تخصيب اليورانيوم الذي فاق 30 ضعف المسموح به مع وجود غطاء من التعاطف الدولي مع طهران رغم ما تخفيه خلف الستار من انتهاكات نووية ودعم للميليشيات.
تأخر الرد الإيراني أفقده قوته وشرعيته
فبالرغم من تصريحات حسن نصر الله الأخيرة بأن الرد الإيراني كما وصفه "يا واش يا واش"، أي بهدوء وتريث، إلا أن تأخره لما بعد اليوم التاسع من مقتل إسماعيل هنية داخل طهران أفقده قوته ومصداقيته لدى الداخل الإيراني والميليشيات التابعة والمواطن العربي المتابع للمشهد. وخرج من دائرة الصبر والدهاء العسكري بإخفاء موعد ونوعية الضربات إلى مخاوف إيرانية من مجرد توجيه ضربات عسكرية لتل أبيب في ظل تغير نبرة التصريحات الأمريكية التي تحولت من مطالبات على استحياء من إيران بعدم توجيه ضربات عنيفة للجانب الإسرائيلي، خصوصًا وأن المقتول، وهو إسماعيل هنية، لا يحمل الجنسية الإيرانية، وأن من تم قتلهم من قادة الميليشيات هم أشخاص محسوبون على النظام الإيراني وليسوا جزءًا من النظام. مما يشكل نوعًا من الضغط المعنوي على نظام الملالي وإحراجه سياسيًا بل وتمهيد الطريق إلى اتهامه بالتعدي على إسرائيل في حال شنت طهران هجمات على تل أبيب. بذلك فإن إدارة بايدن ومن خلال هذه التصريحات المنشورة في "وول ستريت جورنال"، تسعى لنزع شرعية إيران في الرد على استهداف هنية داخل أراضيها.
عقوبات اقتصادية وعسكرية على إيران
فمن خلال ما قرأته من تصريحات لمسؤولين أمريكيين في صحيفتي "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، لاحظت أن نبرة الخطاب الأمريكي تجاه إيران قد تغيرت وأصبحت تحتوي على تهديد أمريكي واضح بتوقيع مزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران بالإضافة إلى مواجهتها عسكريًا في حال قامت باستهداف إسرائيل. بل إن بعض الصحف الأمريكية ذهبت إلى مقارنة الوضع الاقتصادي الإيراني في حال تم تطبيق حرب اقتصادية ممنهجة عليه بالعقوبات التي وقعها الرئيس السابق ترامب، مقارنةً بوضع الاقتصاد الإيراني الذي عاش اتتعاشة في عهد الرئيس الحالي جو بايدن. حيث كانت إيران سابقًا تصدر ما يقارب 300 ألف برميل من النفط يوميًا، نسبة كبيرة منها كانت تذهب عبر التهريب إلى الصين بأسعار مخفضة، ووصلت صادرات النفط في عهد الرئيس بايدن إلى مليون ونصف برميل نفط إيراني يتم تصديره يوميًا.
ولا أعتقد أن الوضع الاقتصادي الإيراني يحتمل مجازفة في تحدي الإرادة الأمريكية والتصعيد عسكريًا ضد إسرائيل بهجمات تفضي إلى حرب شاملة، خصوصًا وأن إدارة الديمقراطيين لن تسمح بأن يلصق بها عار انتصار إيران على إسرائيل في وقت تعيش فيه أزمة حقيقية متمثلة في تورط بايدن في إنعاش اقتصاد طهران بـ6 مليارات دولار وأزمة طاقة يعاني منها المواطن الأمريكي في الداخل. بالإضافة إلى تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة وفشله حتى في إنشاء تحالف دولي يقابل التحالف الذي أنشأته إيران.
قطع الأذرع الإيرانية
فمن المتوقع أنه في حال حدثت مواجهة عسكرية مفتوحة بين إيران وإسرائيل ستقوم الولايات المتحدة والكتلة الغربية الداعمة لها بتصنيف الأذرع الإيرانية كمنظمات إرهابية يجب القضاء عليها والتحرك ضدها بقوة وحزم، لم نكن نراه كباحثين في الشأن الإيراني على مدار السنوات الماضية، ونحن نحلل ونشرح عبر كل القنوات التلفزيونية والصحف خطر توغل هذه الميليشيات الإيرانية داخل المنطقة وتأثيرها على المصالح الدولية في البحر الأحمر .لذلك لا أعتقد أن إيران ستغامر بمليشيتها التي تعتبرها أحد مصادر قوتها ونفوذها في المنطقة .وأدواتها المهمة في تنفيذ مشروعها التاريخي الحاضر باستعادة دولة فارس المزعومة عبر نشر التشيع في مفهومه السياسي والديني.
البرنامج النووي الإيراني في مهب الريح
حيث كانت تصريحات بنيامين نتنياهو واضحة فيما يخص سيناريو الحرب المفتوحة مع إيران .في حال اضطرت إسرائيل للرد على هجمات إيرانية عنيفة على مدنيين أو تأثرت بنيتها التحتية. حيث قال نتنياهو سنرد الصاع صاعين. ووضع البرنامج النووي الإيراني كهدف رئيسي سيتم تدميره من قبل إسرائيل لتعود إيران إلى نقطة الصفر. وكباحثة في الشأن الإيراني يمكنني التأكيد على أن إسرائيل لديها إحداثيات المواقع والمنشآت النووية الإيرانية والسرية منها تحديدًا وسبق وأن قصفت خلال أبريل الماضي منظومة دفاع جوي S300 بالقرب من أكبر معمل نووي في إيران بمدينة أصفهان .في اشارة إلى أن تل أبيب تعلم جيدا إحداثيات المواقع النووية الإيرانية المهمة ولا أعتقد أن خامنئي سيغامر ببرنامجه النووي الذي تكبد لأجله عقوبات اقتصادية عنيفة على مدار الأعوام الماضية.
مجمل القول أنها المرة الأولى التي لم تعلن فيها إيران عن موعد الضربة القادمة لإسرائيل ولكنها أعلنت عن طبيعة الأهداف الإسرائيلية التي ستكون في مرمى الهجمات الإيرانية وهي قواعد عسكرية إسرائيلية وحقول غاز ونفط منها حقل كديش الذي قام حزب الله بتصويره عبر مسيرة إيرانية قبل أحداث مجدل شمس بأربعة وعشرين ساعة فقط .وهذا لا ينفي أن هناك سيناريو آخر من الاستهدافات الإيرانية للجانب الإسرائيلي لا تفضي لحرب مفتوحة كأن تقوم إيران باستهداف شخصيات استخباراتية إسرائيلية خارج الأراضي الإسرائيلية لتنأى بنفسها عن تهمة استهداف مدنيين إسرائيليين وبذلك تكون قد تخلصت من خطر الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل. وبذلك لا تصبح في مرمى العقوبات الاقتصاديه الامريكيه والهجمات العسكرية.
التعليقات