وفق آخر استطلاع رأي، فإن 50% من الشعب الإسرائيلي يؤيد قيام جيش الاحتلال بضربة استباقية على مواقع حزب الله اللبناني لكسر حالة الجمود في انتظار الضربات الإيرانية المتوقعة على إسرائيل. ردًا على مقتل إسماعيل هنية في طهران والقيادي اللبناني فؤاد شكر. ورغم ما يصدره الإعلام الأمريكي اليوم بأن الدبلوماسية الأمريكية نجحت في إثناء إيران عن توجيه ضربة لإسرائيل، إلا أن قادة جيش الاحتلال يؤكدون للرئيس بايدن أن الضربة الإيرانية على بعد ساعات من الآن. عبر حزب الله وعلى الأرجح ستبدأ بقاعدة الراهب العسكرية على الحدود اللبنانية.
وتلك المخاوف الإسرائيلية من وجهة نظري تعتمد بشكل كبير على وحدة الرسائل التي وجهها حسن نصر الله وعلي خامنئي للداخل والخارج خلال خطاباتهما الشعبية على مدار اليومين الماضيين، فكلاهما أكد أن الضربات الإيرانية سواء كانت بالأصالة أو بالوكالة عبر الميليشيات الإيرانية التابعة في خمس عواصم عربية ستكون محدودة وأقوى من سابقتها.ولن تؤدي لحرب مفتوحة مع إسرائيل وأمريكا. رغم قيام الأخيرة بإجراء تعزيز عسكري قوي هو الثالث خلال السنوات الماضية. ورغم إعلان باكستان دعمها لإيران وتجاهل الخلافات بينهما ،وكذلك إعلان كوريا الشمالية عن انضمامها للصين في دعم طهران نوويًا إن استدعى الأمر.
وزيارة قائد السلاح الجوي في بيلاروسيا لإيران أمس لتقديم الدعم بجانب روسيا في حلف واحد أصبح يدافع عن إيران في المنطقة وهم روسيا والصين وباكستان وبيلاروسيا وكوريا الشمالية .وهذا التحالف من وجهة نظري هو أكبر دليل على مدى فشل الأمريكان في المنطقة خصوصًا أن هناك تحالفًا آخر حاولت إسرائيل إنشاؤه لمواجهة إيران وفشل قبل أن يبدأ. بإعلان مصر والأردن عن انسحابهما من هذا التحالف الذي تدعوا إليه إسرائيل. وإعلان القاهرة أنها لن تشارك في أي عملية صد للصواريخ الإيرانية التي تستهدف تل أبيب وبالنهاية فهي ليست طرفًا في هذا الصراع الذي أفضى إلى خسارة قناة السويس 7 مليار دولار مؤخرًا. وكذلك تصريح وزير الخارجية الأردني،و الذي أعلنها بشكل صريح من داخل طهران بأنه لم يأتي في دور الوسيط لحل الأزمة بين إيران وإسرائيل. بل جاء ليؤكد على أن الأردن ليس طرف في هذا النزاع ولن يسمح أبدًا أن تكون بلاده ممرًا لعناصر إيرانية مسلحة تهاجم إسرائيل في حال أدت ضربات حزب الله للانزلاق إلى حرب مفتوحة مع تل أبيب.
وهنا السؤال يطرح نفسه بما أن إيران وأذرعها وفي مقدمتهم حزب الله اتفقوا على أن تكون الضربات الموجهة لإسرائيل محدودة وموجعة تختلف عن سابقتها ،ثارًا لمقتل هنية والضيف وشكر و إسعافا للهيبة العسكرية الإيرانية.
فما هي السيناريوهات المفاجئة التي قد تحدث خلال الضربات المرتقبة التي سيشنها حزب الله على إسرائيل وقد تفضي إلى حرب مفتوحة تتدخل فيها إيران وباقي أذرعها والتحالف الدولي الداعم لها ضد أمريكا وإسرائيل ؟
السيناريو الأول (ضربات بالخطأ)
بدايةً أريد أن أشير إلى أن نوعية الصواريخ التي سيستخدمها حزب الله في ضرب إسرائيل من نوعية الصواريخ "غير الموجهة" والتي من المحتمل بنسبة كبيرة أن تَضِل أهدافها الرئيسية وهما مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية و الموساد .وفق ما أعلنته بعض التقارير في صحيفة نيويورك تايمز وأكسيوس. وأن تتسع رقعة الاستهدافات لتصل عن طريق الخطأ إلى مجمعات سكنية أو بنى تحتية. وهي الأهداف التي وضعتها إسرائيل كخط أحمر يحول دون الرد على الهجمات الإيرانية والانزلاق إلى حرب شاملة بعد حتمية الرد الإسرائيلي، في حال قتل مدنيين أو إنهارت البنى التحتية.
وهنا وجب الإشارة إلى أن إيران وبالتالي اتباعها يعانون من أزمة محدودية منصات الإطلاق وأزمة في عدد الصواريخ الموجهة رغم أن روسيا أعلنت مؤخرًا استعدادها لدعم إيران بمنصات إطلاق ومنظومة رادار حديثة. كالتي أرسلتها للحوثي مؤخرًا وساهمت في صد الصواريخ الموجهة ضد الحوثي بعد حادث استهداف إسرائيل لميناء الحديدة. وكذلك ساعدت الحوثي في استهداف البوارج البحرية في البحر الأحمر بدقة.
وكذلك إعلان باكستان الدولة النووية التي قررت فجأة أن تتجاهل خلافاتها مع إيران وتبدي استعدادها بإمداد طهران بصواريخ متوسطة المدى.وهو ما يحتاج إليه حزب الله الذي لا يفصل بينه وبين الحدود الإسرائيلية سوى بضع كيلومترات، وهو نفس السبب الذي يجعل التعزيزات الإسرائيلية قوية جدًا عند الخط الأزرق الفاصل بينهما وهذا ما يرفع من معدل دقة إصابة الأهداف داخل تل أبيب وكذلك نجاح المسيرات الإنتحارية التي من المتوقع أن تبدأ هجومها على قاعدة الراهب العسكرية الإسرائيلية خلال الساعات القادمة. وتشمل هذه المسيرات شاهد 101 والمعروفة بإسم "القاتل الصامت" لقدرتها العالية على التخفي من الرادارات ودقة إصابة الهدف.حيث بلغ عدد ضحاياها خلال الأيام الماضية في مستوطنة إيليت الإسرائيلية 10 أشخاص.
السيناريو الثاني (خلل في القبة الحديدية)
حتى وإن افترضنا عدم حدوث السيناريو الأول.فإننا لا يمكن أن نستبعد السيناريو الثاني من سيناريوهات الأخطاء غير المحسوبة.وهو احتمالية حدوث خلل مفاجئ في منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية وتشمل القبة الحديدية وهو أمر متوقع نظرًا لتكرار حدوثه رغم تعتيم إسرائيل على الأمر. في واقعة سقوط صاروخ دفاع جوي على مستوطنة "نهاريا" ومقتل العشرات من الإسرائيليي.مما يؤكد احتمالية وقوع هذا السيناريو، وسبقها حادث مجدل شمس، وقد أشار الخبراء العسكريون إلى أنه نجم عن سقوط صاروخ دفاع جوي تم إطلاقه من منظومة القبة الحديدية المتهالكة. ليسقط بالخطأ على منطقة الدروز في الجولان المحتل ويقتل أطفال، وسرعان ما قامت إسرائيل بالتغطية على فشل منظومة دفاعها الجوي وألقت التهم على حزب الله اللبناني. مما يجعلنا نتوقع بشكل كبير تكرار هذا الخطأ الفني في القبة الحديدية وسقوط الصواريخ الإسرائيلية على رؤوس المستوطنين الإسرائيليين .وحينها ستسارع إسرائيل لإلقاء التهمة على حزب الله لتبرئة منظومة دفاعها الجوي المهترئة، وتجنبًا لغضب شعبي إسرائيلي يزيد من السخط الداخلي على نتنياهو المطلوب رأسه الآن لدى شعبه وقيادات حكومته من غير اليمين المتطرف.
أعتقد أن حدث هذا السيناريو فإن نتنياهو، الرجل الذي يعرفه الإعلام الأمريكي الآن بمصطلح "خارج السيطرة"، سيقوم كعادته باستغلال الحادث لإشعال المنطقة والدخول في حرب شاملة مع إيران وأذرعها، وسيكون هدفه الأول هو تدمير البرنامج النووي لإيران وكذلك دفع حزب الله للعودة إلى شمال النهر الليطاني.
السيناريو الثالث (دخول مفاجئ)
لا يمكن إغفال أن أحد أسباب تأخر الرد الإيراني هو مخاوف لدى خامنئي من أي رد فعل غير موجه خارج السيطرة لإحدى الميليشيات التابعة وفي مقدمتهم الحوثي. بإطلاق صواريخ غير موجهة لداخل العمق الإسرائيلي دعمًا لحزب الله. وينجم عنها إنتهاك للخطوط الحمراء الإسرائيلية بقتل مدنيين أو تدمير بنى تحتية. ولعل هذا ما جعل خامنئي يؤكد في خطاباته بأن طهران ستفتتح الضربات على إسرائيل بضربة منفردة. وأعتقد أن هدفه من ذلك هو تنظيم عملية الاستهدافات وضبط أداء الميليشيات، للسيطرة على أي رد فعل غير متوقع قد يؤدي إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل، ليست في صالح إيران وإسرائيل حاليا. ولكنها بالتأكيد تصب في صالح نتنياهو الذي أوشكت صلاحيته على الإنتهاء لدى شعبه.
مجمل القول أن إيران تتعمد تأخير الرد على إسرائيل وذلك بهدف الحصول على بعض المكاسب ومنها دعم اقتصادي لإثنائها عن ضرب إسرائيل. وفعليا فقد حصلت طهران على صفقات أسلحة بدءًا من سخوي 35 ومنظومة رادار حديثة روسية وصواريخ متوسطة المدى الباكستانية وعروض بإمدادات نووية تأتيها من كوريا الشمالية. بخلاف انتصارها السياسي على أمريكا بإنشاء حلف دولي يضم روسيا والصين وبيلاروسيا وباكستان وكوريا الشمالية. وقد عجزت أمريكا وإسرائيل عن إنشاء مثيله في المنطقة. ولا يمكن إخفاء أن روسيا وجدت ضالتها في هذا التحالف مع إيران.لجر امريكا لحروب استنزاف كالتي تعرضت لها موسكو في أوكرانيا وللفت انظار العالم بعيدًا عن مشروع نوفوروسيا.
وبشكل عام يمكننا القول أن إيران استغلت حادث مقتل هنية داخل أراضيها وانهيار هيبتها العسكرية في مقابل دعم الميليشيات وتسليحها علنًا تحت شعار الثأر لاغتيال القادة المحسوبين على طهران. في حين تشهد تل أبيب تراجعًا في البورصة بمعدل 6% وهروب شركات عالمية من السوق الإسرائيلية يضاف ذلك لسلسلة الخسائر البشرية الإسرائيلية وحالة الذعر والخوف الذي يعيشها المستوطنون الإسرائيليون داخل السراديب ترقبًا لضربة إيرانية وشيكة. مما كلف حكومة نتنياهو مليارات لتأمين إقامتهم وحفر العديد من السراديب ومراكز الإيواء وتكاليف إخلاء المناطق الشمالية من المستوطنين.
التعليقات