التاريخ هو الأولى دائما، الأولى للدراسة، لأخذ الحكمة، للتعلم، للتأمل ....
هنا تكمن الحقيقة الكاملة، ترى السبب وما ذهب إليه من فعل وما آل إليه من نتيجة أمامك في وضوح تام ...
ودائما لمشاهد الشر نصيب الأسد في القدرة على لفت الانتباه على خلاف مشاهد الخير التي نمر عليها مرور الكرام، مشاهد القتل والغدر وسقوط الدول حيث نقاط التحول ... فهنا تتم صناعة التاريخ.
تعليق رأس السلطان طومان باي على باب زويلة في محاولة قاسية من السلطان سليم الأول لفرض سلطته وزرع الخوف في قلوب الشعب حتى لا يجرؤ أحد على الوقوف أمامه أو معارضته وإن كان ظالما.
إعدام سليمان الحلبي بواحدة من أبشع طرق التعذيب حتى الموت، بعد قتله لكليبر قائد جيوش الحملة الفرنسية على مصر، فلم تُطبق عليه تلك العقوبة بتلك القسوة لقتله كليبر، فهذا حدث على كل مرأى ومسمع حتى يرى الحاضر ويعلم الغائب بهول مصير من يعارض الاحتلال الفرنسي.
انتحار الملكة كليوبترا السابعة، تلك الملكة التي لم تعرف طعم الاستسلام قبل تلك اللحظة قط، طوعت نفسها بالكامل لتحقيق أهدافها؛ ولكن عندما أتت لحظة الانهزام اختارت أن تموت وهي ملكة مثلما عاشت طوال حياتها، بدلا من أن يذهب بها الحال وتصبح أسيرة تُباع وتُشترى، وما أصعب القمع على الحر! وإن كانت صفحات التاريخ قد تناولت الكثير من صفات الملكة من قوة وذكاء وكبرياء، فلم يظهر ذلك مثلما ظهر في مشهد انتحارها.
قتل يوليوس قيصر ... قرر المتآمرون الانقضاض عليه طعنة تلو أخرى من كل واحد فيهم حتى لا تقع التهمة على أحد بعينه، وبدأ كاسيوس زعيمهم بالطعنة الأولى في رقبته، واستمر التناوب عليه بالطعن وقيصر ململم لبقايا نفسه واقف على أرض صلب، حتى لمح صديقه وأقرب أحد إلى قلبه "بروتس" فهرول عليه مستغيثا فهو الحامي، هو الصديق، هو القريب من القلب، ليباغته بروتس بطعنة أخرى، لم يقل قيصر "أنت خائن"، بل قال له في وقار وألم: "حتى أنت يا بروتس؟" فقال بروتس: "أسف؛ ولكني أحب روما أكثر" فقال قيصر باستسلام: "إذن ليمت قيصر".
هذا مجرد مشهد في التاريخ، أم يمكن استخراج من سطوره دروسا تكفي لأن تكون منهجا أكاديميا متكاملا لمدرسة الحياة.
كيف يتمالك الإنسان أعصابه، ويدعى القوة والثبات وهو يموت؟ لا يريد أن يرى نظرة عطف في عيون غريبة، ولكن بمجرد أنا يرى شخصه المفضل الأقرب لقلبه يستنجد به بل يسقط أمامه باكيا ضعيفا فالمنقذ له منهم قد جاء، وهو الداعم النفسي بعد انتهاء الموقف كله ... تخيل بعد كل هذا تجده يراك مخطئنا لا يأبه بما حدث بك، لم يهتم بالأذية التي تعرضت لها لأنها لا تهمه، هو يرى خطأك لأنه يفكر في هذا الموقف بمنطق، لأن الاحتضان والمواساة والدعم والخوف من أذية من أمامك كل هذا من عمل القلب الموجود في صدرك واعتلاه الصدى من ندرة الاستخدام.
فالغاضب لا يحتاج سوى محاولة التخفيف عنه، والحزين لا يحتاج إلا مجرد مواساة صادقة، والخائف لا يحتاج سوى الأمان، والمضطرب لا يحتاج سوى الاستقرار، والوحيد الذي ضاقت عليه الدنيا لا يحتاج أكثر من نفس عميق في جلسة ود لطيفة.
وكل هذه مشاعر؛ فلا يلقى صاحب المشاعر المثارة الشخص الأقرب لقلبه فيجده محللا ناقدا بعقل ومنطق إلا وفشلت الجلسة ويمكن أن تفشل العلاقة بالكامل.
وأخيرا .... إياكم والعشم ... قاتل ... فما أصعب الخيبة! وما أقسى عودتك من حديث الأقرب إلى قلبك منكس الرأس حاملا لهموم فوق تلك التي ذهبت بها إليه؛ حيث يكون الأمل الأخير لك ويضيع....
التعليقات