"يأتي اللوم على قدر الوعي وإن اختل التوازن لأصبح الظلم بعينه"
إن شباب جيل السبعينات والثمانينات العظيم خرجوا إلى الدنيا وصفوة المجتمع من كتاب وأدباء وشعراء يتباهون بالتدخين على كل مرأى ومسمع، فكانت فكرة "قهوة المثقفين" ... المكان الذي يجمع حاملي الهموم من كثرة التعمق في الأنفس البشرية رغبة في الوصول إلى حبكة رواية أو مطلع قصيدة. كان الأمر "أنت تدخن إذا أنت تفكر إذا أنت موجود"، فكان التدخين وسيلة تشبث من الشباب اليافع بطبقة المثقفين.
ولكن اليوم، وبعدما زاد الوعي بخطورة التدخين، وبعد التخلص من كل دواعي المظاهر الكاذبة، فلا وجود لحقيقة تقول "أن كل مفكر مدخن"، مثلما لا وجود لحقيقة تقول "أن كل قارئ يجلس مع كتابه متأرجحا على كرسيه الخشبي مرتديا للروب الستان وعلى أنفه النظارة الطبية وبجانبه فنجان من القهوة لا ينتهي".
أصبح إقبال الشباب على التدخين مريبا بعض الشيء، فلا هو تشبث بطبقة المثقفين؛ لأن تلك الطبقة تجردت من أي صفات يمكن تحجيمها بها، ولا هو تفريغ للهموم وتخفيف للضغط النفسي وهو السبب الفعلي لصناعة تلك اللعنة؛ وهذا لأن أسعار أدوات التدخين أصبحت أثقل الهموم على المدخن.
وإن كان حقا هناك من يستخدم تلك الوسيلة إلى يومنا هذا رغبة في تفريغ همومه، وهو على استعداد كامل لتحمل كل نواتجها الوخيمة ... تصبح ثلاثينيا في عمر العشرين، وأربعينيا في عمر الثلاثين، وتتزوج من امرأة تقاسي معك كل مرارات التدخين وهي غير مدخنة، وتنجب أطفالا يشبون على مرضك في الخمسين بعدما أفنيت صحتك بالكامل، وعندها فقط سيأتي السؤال على ذهنك مرة ... ولن تجدي الإجابة نفعا أو ضررا، فأنت الآن تقيم فقط، هل كان يستحق؟ هل كان يستحق ما حدث كل ما حدث؟
ستعاني طوال حياتك لا محالة، وكل من حولك الآن يعاني، وكل من سيدخل حياتك من بعد الآن سيعاني، ثم ستقف أمام الله آثما بعدما أضعت أمانته وأفنيت صحتك وأهدرت جسدك عبثا...
ولا يزال يُقال "التدخين حرية شخصية"!!
التعليقات