هذه الأرض التي خُلق منها الإنسان وشُكل من تربتها ويعيش عليها هي كوكب متواضع يدور مع غيره من الكواكب والأجسام السماوية حول الشمس -النجم المتوسط- نسبة إلى غيره من بلايين النجوم العملاقة والمتفاوتة في أحجامها التي تكون مجرتنا درب التبانة مشَكِّلة وحدة بناء الكون بما يحويه من بلايين المجرات متعددة الأشكال والأحجام.
تقاس المسافات بين النجوم بالسنوات الضوئية وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة. ولا أسرع من الضوء فيما نعرف من الموجودات وكم من الأجرام تفصله آلاف بل ملايين السنوات الضوئية عن بعضها. في كون يتسع باستمرار ويتضاعف حجمه بتباعد أجزائه. يقول تعال:"وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ " الذاريات ٤٧ فما نمثله نحن في الكون لا يعدو أن يكون هباءة منثورة تائهة في الفضاء بل أقل، إلا إن الله كرم بني آدم.
"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا " الأسراء 70 سخر لنا هذا الكون العظيم وأخضع لنا ما فيه، وأرسل من أجلنا الرسل لترشدنا، وخُلقت الجنة والنار ليتحقق لنا العدل وحسن الجزاء ويُقتص لنا ممن ظلمنا.
ومنح الله الإنسان من فيض كرمه الحكمة والقدرة والعقل والإرادة، فكيف له أن يتكبر وقد علم أنه الفعل الذي خلد ابليس في النار؟ كيف يطيعه ويقتدي به في كيده وغيه وهو العدو المحذور؟
لا يليق بنا الكبر وقد خُلقنا من ترابٍ يستنكف كل منا أن تطول جسده أو ملابسه ذراته. فيتكبر الإنسان على أصله الذي خُلق منه ويُفسد الأرض التي شُكل من سائر تربتها فيشعلها بالأحقاد والضغائن. حري به أن يكون الخليفة الممتثل لسنن الله ويعي تكاليفه ولا يكون المناطح له، المعاند المتغطرس.
اعرف حجمك الفعلي لا حجمك النسبي، فقد تمثل ماردا نسبة للفضاء الإلكتروني، لكنك لست شيئا في الفضاء الكوني.
حجمك الحقيقي لا يقاس بالأبعاد والأوزان وما تشغله من حيز في الفراغ ولكنه يُقدر بحجم عطائك وما تقدمه لنفسك وللكون من حولك والذي تمثل أنت جزءًا منه، فعليك أن تكون نافعا، مؤثرا ومفيدا.
لقد خُلقت لدور عظيم من العبادة وإعمار الأرض، فلا تتخل عن دورك، فالله ليس بحاجة إليك ولكنه شرفك بالأمانة التي ارتضيت حملها.
أنت تكبر وتعلو بقدر ما تُظهره من اللطف ولين الجانب.
فإن كنت من طبقة أعلى على المقياس البشري فهذا شأنك وإن كان غيرك من طبقة أدنى فهذا شأنه لكن الاحترام والود هو شأنكما معا. لذلك كان للتقييم الإلهي شأن آخر ومقاييس خلاف مقاييس البشر.
أن تعي حقيقة الدنيا هو عين ما بلغته من فقه وتدبر فهي رحلة قصيرة لا تلبث أن تنتهي مهما طالت وهي مزرعة الآخرة وزادها التقوى وحصادها بيد الحكم العدل.
التعليقات