بجانب العدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة الذى نشاهد وقائعه على الشاشات العربية، هناك معركة أخرى ضد سكان القطاع تحدث خلف الكواليس، لا تقل ضراوة عن الأولى، تتمثل فى تبرير العدوان وتمهيد الطريق أمام المزيد من إراقة دماء المدنيين العزل، من خلال خطط ممنهجة. أسلحة المعركة هى الكلمة والصورة ومقاطع الفيديو المفبركة، أما حدودها فتتسع باتساع العالم كله، وهى معركة تعمدت التنكر لأهم منجزات العصر الرقمى وهى إتاحة الفرصة لأطراف العملية الاتصالية للتعبير، حيث عمدت إلى ترويج رواية الجريمة من وجهة نظر المعتدى وتبنى أكاذيبه، ومنع رواية الضحية، بل وسد الطرق أمام المتعاطفين معه، هذه المعركة التى استخدمت الكثير من وسائل الاتصال بكل أشكالها، تجاوزت التحيز فى التغطية إلى المشاركة فى الجريمة!
ولهذه المعركة أبعاد عديدة، من أبرزها:
أولا: تحيز شبكات إعلامية عالمية الواضح لإسرائيل لتخرق أبسط قواعد المهنية خلال تغطيتها العمليات العسكرية الجارية فى غزة، حيث تعمدت الاستمرار فى تصوير الجانب الإسرائيلى كضحية لعملية طوفان الأقصى، وإدانة المقاومة على طول الخط دون إبراز فظائع الرد الإسرائيلى الشرس على المدنيين فى غزة. حيث يقتل الأطفال والشيوخ والنساء ويمنع عن السكان كل مقومات الحياة من مياه وغذاء ودواء وكهرباء ووقود، وتقصف المساكن والمساجد والكنائس والمستشفيات.
سقطت فى هذا التحيز العديد من المنصات الإعلامية الشهيرة ومنها هيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى، والشبكة الأمريكية سى إن إن، وشبكة إيه بى سى نيوز فمثلا الشبكة الأخيرة وصفت الهجمات التى نفذتها حماس ضد إسرائيل بأنها مذبحة، فى حين تستخدم مصطلحات معتدلة عند نقل الأخبار المتعلقة بالقصف الإسرائيلى، مع ربطها مباشرة بقتال حماس، متجاهلة أن تلك الهجمات تؤدى إلى التدمير وقتل آلاف المدنيين. بل دعت للضغط على وكالات الأنباء المعتدلة نسبيا للمزيد من التحيز لإسرائيل، فقد استضافت قناة فوكس نيوز الأمريكية، يوم 12 أكتوبر الحالى مايكل ألين، مساعد الأمن القومى السابق بالبيت الأبيض، لينتقد سياسة وكالات الأنباء العالمية التى تلوم إسرائيل عما يحدث فى غزة، داعيا إلى الضغط على وسائل الإعلام لتغيير ذلك!
ثانيا: تزييف الحقائق: ففى الأيام الأولى لاندلاع القتال نشرت وسائل إعلام صهيونية أن مقاتلى حماس قطعوا رءوس أطفال إسرائيليين.. هذه الكذبة الذى تبناها الرئيس الأمريكى بايدن ثم تراجع عنها مكتبه بعد أن ثبت زيفها، أسهمت فى كسب تعاطف كبير مع إسرائيل وشيطنة المقاومة الفلسطينية، وسبق للإعلام الاسرائيلى استخدام هذه الأكاذيب مرات عديدة ومنها فيديو مزيف نشره المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلى على موقع X (تويتر) خلال العدوان على غزة فى مايو 2021، زاعما أنه يظهر إطلاق حماس صواريخ من مناطق آهلة بالسكان بغزة. لكن (تويتر) أثبت أن الفيديو مزور وأنه تم تصويره فى سوريا عام 2018، وليس فى غزة.
ثالثا: قتل الصحفيين: تجاوز عدد شهداء الصحفيين الفلسطينيين منذ بدء العدوان على غزة 23 صحفيا وإصابة 20 آخرين خلال قصف 20 منزلا لهم وتدمير 50 مقرا لمؤسسات إعلامية لمنع توثيقِ العدوان.
رابعا: التمهيد للقتل وتبريره: ذكر عدد من رواد موقع X (تويتر) أن التقرير الذى نشرته (بى بى سى) بعنوان هل تبنى حماس الأنفاق أسفل المستشفيات والمدارس؟ مسئول بشكل غير مباشر عن قصف إسرائيل مستشفى المعمدانى مخلفا 500 شهيد من المرضى والطاقم الطبى، حيث تم قصف المستشفى فى اليوم الثانى لنشر التقرير وكأنه يمهد للحدث ويبرره.
خامسا: تحيز وسائل التواصل الاجتماعى: اشتكى الآلاف من أن فيسبوك وانستجرام تقيدان وصول منشوراتهم المؤيدة لحقوق الفلسطينيين حتى لو كانت لا تنتهك قواعد المنصات، وبررت شركة ميتا، المالكة لشبكتى التواصل الاجتماعى، هذا المنع بأنه (بسبب خطأ عرضي)!! فقد حذفت الشركة 795 ألف منشور لإخفاء الحقيقة، وحظرت حسابات وسائل الإعلام الفلسطينية.. وقد حدث ذلك معى شخصيا حيث تم تقييد صفحتى بفيسبوك بعد نشر (بوستات) داعمة للنضال الفلسطينى.
فى هذه المعركة الإعلامية يجرى قصف المعايير المهنية وقتل الحقيقة والعدوان الغاشم على حقوق أصيلة من حقوق الإنسان وهو الحق فى التعبير والحق فى الاتصال لكى يصمت العالم عن الهولوكوست الفلسطينى المفتوح!
التعليقات