المقارنة السريعة بين موقف الغرب من العدوان الإسرائيلى على غزة وإيران، وموقفه من العدوان الروسى على أوكرانيا، تبين ازدواجية المعايير التى ينتهجها، وتنكره للقيم التى يزعم أنه المدافع عنها حينما يتعلق الأمر بقضايا عالمنا العربى والإسلامي. إن توضيح أبعاد هذه الازدواجية وتداعياتها بالمنطقة أصبح أمرا بالغ الأهمية فى ظل وجود حالة استلاب حضاري، لدرجة أن بعض مدعى الثقافة فى مجتمعاتنا يرددون المبررات الغربية، بل وجدنا من يدافع عن العدوان الصهيوني!! لذا فإن تأمين الجبهة الداخلية يتطلب الرد على من يحاول تغييب وعينا.
كنا قد ذكرنا فى المقال السابق تسلسل تجليات العار الغربى تاريخيا، ونستعرض اليوم بشكل معمق المواقف التى تؤكد كل ذلك، ومنها: أولا: أن أكثرية الزعماء الغربيين أدانوا هجمات المقاومة الفلسطينية في7 أكتوبر 2023، بينما لم يدينوا الإبادة الجماعية التى يقوم بها الاحتلال الإسرائيلى بحق المدنيين فى غزة، بل برروا العدوان الصهيونى ودعموه عسكريا ولوجستيا وسياسيا تحت زعم حق دولة الاحتلال فى الدفاع عن نفسها، ولم يشفع لهم العدد الهائل من الشهداء فى غزة، والذى تجاوز 54 ألفا.ونحو 100 ألف مصاب.
ثانيا: إن هناك اختلافا جليا بين موقف القوى الغربية من العدوان على غزة ونظيره فى أوكرانيا،.فقد سخرت القوى الغربية كل إمكاناتها لمساعدة كييف فى الدفاع عن نفسها؛ سواء عبر إمدادها بالأسلحة، أو بمليارات الدولارات، كما تمّ فرض عقوبات قاسية على روسيا، فى حين لم تعترف تلك الدول بحقوق الشعب الفلسطينى فى الدفاع عن نفسه ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولم تحمّل إسرائيل مسئوليتها عما تعرض له الفلسطينيون من قتل ودمار وإبادة جماعية، بل حظى العدوان الإسرئيلى على غزة بدعم غربى عسكرى ولوجستى وسياسى كبير.. وحتى عندما أدانت المحكمة الجنائية الدولية إسرائيل لارتكابها جرائم حرب ضد الفلسطينيين وأصدرت مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين، وجدنا الولايات المتحدة تهدد المحكمة، ودولة أخرى كالمجر تنسحب منها للهروب من تنفيذ قرارها!
ثالثا.على خلاف رفض الدول الغربية للعدوان الروسى على أوكرانيا بل والتحالف الغربى لمساعدة كييف، لم نجد أى إدانة غربية للعدوان الإسرائيلى الامريكى على إيران بالرغم من أن الترويكا الأوروبية (فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا) ظلت لفترة طويلة منخرطة فى محادثات مع ايران حول برنامجها النووي، فضلا عن أن العدوان الإسرائيلى يخالف ميثاق الأمم المتحدة، ولكنه أظهر حقيقة الموقف الغربى الذى عبر عنه المستشار الألمانى بقوله إن إسرائيل تقوم بالمهمة القذرة نيابة عن الغرب .والغريب التأييد الغربى لتبرير العدوان بأنه «دفاع عن النفس» فى حين أن هذا الدفاع لا يكون إلا فى مواجهة هجوم، فكيف يكون الطرف الذى بدأ بالهجوم دون أى سند قانونى - وهو إسرائيل - فى حالة دفاع عن النفس؟! إن تأييد هذا التبرير المزيف الذى وظفته اسرائيل للعدوان على سوريا وإيران قد يغريها باستخدامه فى أى مكان آخر بالمنطقة.
والأكثر غرابة أن المبرر الذى استخدمته إسرائيل وأمريكا لضرب إيران (وهو وجود برنامج لتطوير أسلحة نووية)، ليس هناك ما يدعمه من أى جهة ذات شأن، فضلا عن تأكيد رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الوكالة ليس لديها أدلة على وجود برنامج إيرانى لتطوير أسلحة نووية. كل ذلك يذكرنا بالمزاعم التى استخدمتها القوى الغربية لضرب العراق من قبل: (الادعاء بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل) وهو ما ثبت كذبه. والأدهى هو إصرار القوى الغربية على عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي..إذا كان هذا السلاح أمرا شريرا فلماذا تمتلكه الدول الغربية؟ ولماذا لم تمنع إسرائيل من امتلاكه؟
إنّ هذه المواقف المخزية، هى تاريخٌ من الاصطفافات المتشابهة، ضد المعتدى عليه ما دام عربيا او مسلما منذ عهد الاستعمار، والذى يتواصل عبر وكيله بالمنطقة، وهنا يبرز سؤال مهم: إلى متى تستمر تجليات هذا العار؟ وسؤال أهم: إلى أى حد تتمادى إسرائيل فى «القيام بالمهام القذرة» فى عالمنا العربى والإسلامي؟ أما السؤال الأخطر فهو: إلى متى تغفل الدول العربية عن توفير وسائل ردع تكفل تأمين حقها فى الدفاع عن نفسها ضد تهديدات دولة تعربد فى المنطقة ولديها خطط للتوسع وتمتلك ترسانة من الأسلحة النووية!!
التعليقات