متحف الإبادة الجماعية فى غزة «1»

متحف الإبادة الجماعية فى غزة «1»

د. محمد يونس

الأدلة المتزايدة على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة تضع العالم أمام اختبار حقيقي لمدى التزامه بحقوق الإنسان والمواثيق الدولية. فلم يعد الصمت خيارا أمام الضمير الإنساني، بعد أن بلغت قسوة المأساة مدى جعل الكثيرين سواء من النخب الثقافية والفنية والإعلامية أو الناس العاديين يبادرون إلى إعلان إبراء ذمتهم من الصمت على جرائم الإبادة الجماعية المُمنهجة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين العُزّل وتُوثقها كاميرات العالم، وتشهد عليها تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية. مما يفرض ضرورة أخلاقية وقانونية ملحة لوقف العدوان ومساءلة المسئولين.

وعلى الرغم من إدانة الكثير من دول العالم ومظاهرات الشعوب الحرة الرافضة للإبادة الجماعية، فإن القتل والتدمير والتجويع لا يزال مستمرا ولم توقفه القرارات الدولية ولا اعتراف 159 دولة بدولة فلسطين وحقها في الحرية والاستقلال، بسبب تحدي الاحتلال الإسرائيلي لإرادة المجتمع الدولي وللقوانين الدولية بدعم من الولايات المتحدة.. فكيف يمكن وقف مسلسل الإبادة الجماعية؟ وكيف نحمي البشرية من تكرارها؟

قبل الإجابة، وردا على الدعاية الصهيونية المنكرة لهذه الجرائم، لن نكتفي فقط بتقارير الهيئات الدولية التي تؤكد حدوث الإبادة بشكل ممنهج، وإنما نعرض لاعترافات سجلتها مؤسسات من داخل دولة الاحتلال الإسرائيلية نفسها وشهادات من جانب حليفتها الأمريكية.

أولا التقارير الدولية: - أوضحت محكمة العدل الدولية في 26 يناير 2024، أن ادعاءات جنوب إفريقيا بشأن الانتهاك بفلسطين للحقوق بموجب «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية» «قابلة للتصديق. وأصدرت المحكمة أوامر وقائية تطالب إسرائيل بمنع أعمال الإبادة الجماعية،ومنع ومعاقبة التحريض عليها، وضمان توفير المساعدات الإنسانية الأساسية فوريا.

- تأكيد المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك أن «المعاناة الجماعية للسكان المدنيين بغزة، والعدد الهائل من القتلى والجرحى، والتدمير المنهجي للمساكن والخدمات الحيوية، تشكل مؤشرات على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

- أصدر عدد من المقررين الخاصين للأمم المتحدة، بمن فيهم المقرر المعني بحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية، بيانات تؤكد وجود «مؤشرات قوية على إبادة جماعية».

- توثيق المنظمات الحقوقية الدولية: مثل «هيومن رايتس ووتش» و»أمنستي إنترناشونال»، لانتهاكات جسيمة تشكل جرائم حرب، مطالبة بضرورة التحقيق فيها تحت مظلة جريمة الإبادة الجماعية.

ثانيا: تقارير إسرائيلية وأمريكية: اتهمت منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية: في تقريرها الصادر يوم 28 يوليو الماضي، إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، موثقةً بالتفصيل جرائم القتل بحق الآلاف من المدنيين وهدم المنازل وتجريف البنية التحتية.

- رصد تقرير منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان- إسرائيل» التدمير المتعمد والممنهج للمنشآت الصحية والنظام الصحي بأكمله، مؤكدًا أن هذا الدمار يكفي وفقاً لمعايير القانون الدولي لدعم ادعاء الإبادة الجماعية..وتضمن تقريرا المنظمتين وثائق توضح توافر النية للإبادة لدى الحكومة الإسرائيلية.

- جمعت منظمة «جنود يكسرون الصمت» شهادات صادمة من جنود إسرائيليين شاركوا في العدوان على غزة. كشفت عن ثقافة عسكرية تتعامل باستخفاف مع حياة المدنيين الفلسطينيين، وتفويض واسع باستخدام قوة قاتلة بشكل غير متناسب، في مناطق مأهولة بالسكان . من الجانب الأمريكي نشرت وسائل الإعلام شهادات للعديد من الشخصيات، من أبرزها تلك التى أدلى بها العميد Anthony Aguilar الضابط الأمريكى السابق الذى كان يعمل فى مؤسسة «غزة إنسانية»، التى تشرف على توزيع المعونات الغذائية بالقطاع، والذى استقال يوم 13 يونيو 2025 معلنا أنه لم يعد يتحمل الاستمرار فى جرائم الحرب.

وذكر أنه اكتشف أن مؤسسة غزة الإنسانية صممت لقتل الجياع غير المسلحين، لافتا الى أنه شاهد قوات الجيش الإسرائيلى وهم يطلقون النار عليهم أثناء هذا التدافع فى الدخول والخروج، كما سُجل شريط فيديو لزميلين أمريكيين له وهما يشاركان فى إطلاق النار، وكأنها تسلية، على حد وصفه. إن تراكم الأدلة من هذه المصادر المتنوعة والمستقلة، يضع أساسا قانونيا وأخلاقيا صلبا لهذه الجرائم خاصة. الاعتراف بالجريمة هو نصف الطريق، أما النصف الآخر فهو إجبار الجاني على المحاسبة. وهذا يتطلب حزمة من الإجراءات العقابية والضغط الدولي الفعال، علاوة على خطوات تأريخية، من أهمها إنشاء متحف للإبادة الجماعية في غزة، ليكون شاهداً على المعاناة وأداة للتعلم منعا لتكرارها.

التعليقات