خرجنا إلى الدنيا ونحن ندركها أتم الإدراك، إذا سُمع صوتا في فصل دراسي أصبح كل الطلبة مشاغبين يستحقون العقاب، وإذا رأيت غضبا من مواطن واحد حكمت على شعب بأكمله بالغضب والعملية، وإذا فرط أحدهم في أرضه ظننت الجميع خونة، وإذا رأيت من يدعي الأخوة مع العدو ظننت الجميع منافقين.
قالت السيدة عائشة (رضي الله عنها) إلى رسول الله (ص): هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل (عليه السلام)، فناداني فقال: يا محمد، إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني أمرك، وبما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت، فقال له سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم): بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، لا يشرك به شيئا.
كفروا به وبدعوته، ألقوا عليه الحجارة وأدموا قدمه، وجاءه حق الانتقام في أشد لحظات الرغبة فيه حيث ما زال الدم يسيل وما زال الجرح يؤلم، فتغاضى عن كون السيئة قد عمت حرفيا، فلا وجود لإنسان من بينهم آمن به أو دافع عنه، ونظر إلى ما هو أبعد من ذلك، رفض هلاكهم، لاحتمالية أن يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله بل ودعا الله بذلك.
فمن أين تأخذون دينكم؟ من أين تأتي أخلاقكم ومبادئكم إن لم تكن من السنة النبوية؟ ما هو سبب وجود النبي إن لم تؤخذ سيرته وحياته شريعة ثانية للديانة الإسلامية بعد القرآن الكريم؟ بل السنة هي تطبيق عملي لأوامر القرآن الكريم، فعندما قيل لمطرف بن عبدالله بن الشخير: "لا تحدثونا إلا بالقرآن"، فقال مطرف: "والله ما نريد بالقرآن بدلا، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا."
فالسيئة تخص والحسنة تخص، وكل سيحاسب جزاء ما ارتكب فقط، فلا لأحد ذنب فيما ارتكب غيره ولو كان أخاه، وعلى هذا يجب السير في الدنيا، فأخذ أحدهم بذنب أخيه ظلم، والظلم لا بد له من قصاص ولو كان في الآخرة، لأن الظلم مدمر، يخلق من الإنسان وحشا، يُفقد الإنسان خوفه من العقاب المترتب على ارتكاب الأخطاء، فيبرر لنفسه الخطأ، فعندما يرى من حوله مخطئين يسايرهم لأنه في أعين الناس مخطئ معهم والعقاب سيطبق عليه مثلما سيطبق عليهم.
"السيئة تعم والحسنة تخص" مبدأ فاسد غرضه تشويه كل جميل، فلا تشارك في نشره لأن أغلب الناس يؤمنون به، لأنك بهذا ستكون مطبقا له قلبا وقالبا.
التعليقات