شاء القدر أن تجمع صداقة وطيدة بين والدي -رحمه الله- والحاج عبد الخالق، والد المطرب الراحل علاء عبد الخالق -رحمهما الله-. فقد كان والدي إماماً لواحد من أكبر المساجد في منطقة العرب بعين شمس، وكان الحاج عبد الخالق من مرتادي المسجد. وكانت تجمعهما جلسات طويلة، رواها لي والدي مراراً وتكراراً. وكثيراً ما كان يمر عليهما علاء، الذي كان يحرص على زيارة والده، الذي كان يعيش في شقة بجوار المسجد بعد تقاعده ورحيل والدة علاء مبكراً. ورغم زواج الأب بعد رحيل الأم، لم يهمل الابن والده، بل كان حريصاً على زيارته حتى رحيله أوائل الألفية. وكان والدي والحاج عبد الخالق يتبادلان الأحاديث عن ابنيهما اللذين احترفا العمل الفني بصورة أو بأخرى، دون رغبتهما. فسمع علاء اسمي من والده وسمعت أنا حكايات عنه قبل أن نلتقي وجهاً لوجه.

وفي عام ١٩٩٦، قادتني الظروف إلى الانضمام إلى اللجنة الإعلامية لمهرجان القاهرة الدولي للأغنية، بعد دعم كبير من صديقي الأستاذ سعيد جمال الدين سرحان. وهو المهرجان الذي كان مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات ينظمه ويستضيف فعالياته وحفلاته، التي كتبت شهادات ميلاد عدد كبير من نجوم الغناء العرب، مثل كاظم الساهر وغيره. وكان علاء عبد الخالق في هذه الفترة واحداً من أهم نجوم الأغنية المصرية الجديدة، وكان من الطبيعي أن يكون أحد نجوم حفلات الحديقة الصينية بالمركز، التي تم تخصيصها لنجوم الأغنية الشبابية، وهو المصطلح الذي انتصق بنجوم تلك الفترة، ومنهم علاء.
خلال اجتماعات اللجنة الإعلامية، كنا نتناقش في موضوعات وحوارات النشرة الصحفية التي ستصدر على هامش المهرجان، وكان يترأس تحريرها الكاتب الصحفي الكبير الراحل الأستاذ حلمي سالم، مدير تحرير مجلة الكواكب -رحمه الله-. وضمت هيئة تحريرها مجموعة من نجوم الصحافة الفنية، مثل الأستاذ محمود حسونة، الكاتب الصحفي بالأهرام، والأستاذ نادر أحمد، نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية، وزملاء كبار آخرين.

تم توزيع حوارات النجوم علينا، وكان حوار علاء عبد الخالق من نصيب الأستاذ سعيد جمال الدين. فوجئت به يدعوني لمشاركته الحوار وحدد موعداً مع علاء، وذهبنا سوياً إلى شقة علاء في أحد الشوارع المتفرعة من شارع عباس العقاد بمدينة نصر. وبمجرد وصولنا، وجدنا علاء في انتظارنا، وبعد الترحيب والانتهاء من الحوار، بدأنا في جلسة أخرى نتحدث فيها عن أمور فنية عديدة. وتطرقت بالحديث إلى الجزء الخفي في حياة علاء، فإذا به يسألني: "إنت عارف الحاجات دي منين؟" فقلت له: "أنا عارف عنك كل أسرارك من جلسات والدينا." فقال لي: "إنت أحمد بقى؟" قلت له: "إه." قال لي: "ده والدي كان يحدثني عنك كثيرا من كلام والدك."
واستمرت العلاقة، يغلفها الود، حتى زمن بعيد اختفى خلاله علاء تماماً، وعاد اسمه يتردد مرة أخرى فيما بعد، مع زواج ابنه حكم من ابنة الكابتن محمود الخطيب، ثم قراره العودة للغناء من خلال حفلات الساقية والمراكز الثقافية.
وفي عام ٢٠٠٩، كنت أشتري ملابس من أحد محلات مخيم اليرموك بمدينة دمشق السورية، ورن هاتفي المحمول الذي كانت نغمته مقدمة رائعة لعلاء عبد الخالق "الحب ليه صاحب". فإذا بالشاب البائع يبدي إعجابه بالنغمة ويقول لي: "هذه أغنية علاء عبد الخالق." وعند عودتي، أبلغته بما حدث معي في سوريا، وكان سعيدًا بانتشار أغنياته واستمرارها مع الجمهور العربي.
تأثير علاء الموسيقي كان عظيمًا، وأعتقد أنه يستحق منا وقفات ودراسات. فهو من أوائل الأصوات التي لحن لها الراحل أحمد منيب، وهو أيضًا الذي أجبر بصوته المخرج الكبير، شريف عرفة، على خوض تجربة إخراج الفيديو كليب.
رغم سنوات الاختفاء، والابتعاد، والانزواء الطويلة التي اتخذها علاء مسارًا لحياته، إلا أنك لا تشعر أبدًا بغيابه. فقد شكل بصوته وأغنياته جزءًا مهمًا من حياتنا نعود إليه كلما صارعتنا أمواج الحياة وحاولت أن تنتزع منا ذكريات أيامنا الحلوة وحكاياتها.
التعليقات