ولدت الفنانة هدى سلطان في 15 أغسطس 1925، بقرية كفر أبو جندي التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية؛ اسمها الحقيقي جمالات بهيجة حبس عبدالسلام عبدالعال الحو.
وعرفت أيضا في بداياتها باسم «جملات»، وكانت الـ3 بين 5 أبناء أكبرهم شقيقها الفنان محمد فوزي الذي يكبرها بـ7 أعوام، وتلته شقيقتهما الفنانة هند علام.
كان الأب عبد العال الحو؛ يتمتع بصوت جميل وساحر؛ وكان يجيد العزف على العود؛ ويحفظ كل أغاني الشيخ سلامة حجازي، والشيخ سيد درويش.
غادر شقيقها «فوزي» طنطا إلى القاهرة ليدرس بمعهد الموسيقى، وكانت «هدى» وقتها في الـ7 من عمرها، وشاهدت غضب الأسرة على شقيقها عندما أفصح عن رغبته، وتم اتخاذ قرار بمقاطعته والتبرأ منه.
شقيقها «فوزي» هو من زرع حب الفن بداخلها، و«حينما كان يختلس الوقت ليعزف على العود؛ ويدندن في عدم وجود الكبار، كانت هدى تردد خلفه وفي السر .
عشقت هدى أغاني أم كلثوم وتدربت جيدا بعد حضورها؛ للقاهرة على يد الملحن أحمد عبد القادر؛حفظت القرآن الكريم كاملا في صغرها بكتاب قريتها، حيث اعتاد والدها استقدام شيخة؛ تقرأ القرآن للنساء صباحا وبشكل يومي، وكان يفعل نفس الشيء لأشقائها الذكور.
وتقول «هدى» إن الشيخة «مبروكة» كانت أفضل من قرأت القرآن في منزلهم، وأنها أحبت ترتيلها بشدة وخصصت مجلسًا دائمًا بالقرب منها حتى يتسن لها الاستماع والتركيز مع ما تقرأ، وبمرور الأيام نمت لدى «هدى» هواية الغناء والتلاوة تأثرًا بتلك المرأة، وازداد طموحها لاحتراف الغناء في القاهرة؛ مثلما فعل قبلها شقيقها «فوزي»
غنت لأول مرة أمام الجمهور عام 1937؛ في إحدى حفلات المدرسة التي أقيمت على مسرح البلدية في طنطا، بأغنية لأم كلثوم، فصفق لها الجمهور بشدة، ومنذ ذلك الحين لم يفارقها الحلم أن تصبح مطربة.
تحدثت هدى قائلة :كنت طفلة صغيرة وقتها، ووقفت على خشبة مسرح تم بناؤه في سينما البلدية بطنطا، وكان الجميع منشغل بالكلام وبالسندويتشات، وعندما بدأت في الغناء وظهر صوتي وأنا أقول (أنتِ فاكراني ولا ناسياني) لأم كلثوم، وجدت الجميع يستمع إليّ في صمت واهتمام.
وما أن انتهيت من الغناء حتى فوجئت بتصفيق شديدمن كل الموجودين.
وانتقلت للعيش مع شقيقها فوزى بالقاهرة وفي بيته شاهدت كبار الفنانين والشعراء والموسيقيين، وتعرفت عليهم ما ساعد في تنمية موهبة هدى.
بدأت ممارسة هوايتها بالغناء في حفلات أعياد الميلاد والخطوبة والزواج في محيط محدود، وزادت دائرة علاقاتها ودرست على يد الملحن أحمد عبد القادر الذي وصل بها فيما بعد للاعتماد كمطربة في الإذاعة.
وسمعها الموسيقار رياض السنباطي فتنبأ لها بمستقبل باهر في عالم الغناء فشاركت بطولة فيلم «حبيب قلبي» مع الموسيقار رياض السنباطي ، 1952، إخراج حلمي رفلة، وكان صوت «هدى» من الأصوات التي شجعت محاولات التجديد التي قام بها عبد الحميد توفيق زكي في الخمسينيات ؛وكان من أغاني هذا اللون أغنية «يا ورد الجناين» كلمات محمد علي احمد .
تقدمت لاجتياز اختبار لجنة اختيار المطربين بالإذاعة المصرية عام 1949، وأجازوا صوتها وأصبحت واحدة؛ من نجمات برنامج جلال معوض «أضواء المدينة».
وانطلق صوت هدى من الإذاعة بأغنية «حبيبي مالقيتش مثاله سلطان على عرش جماله»؛ وفي عام 1950 شاركت في فيلم «ست الحسن» للمخرج نيازي مصطفى، والفيلم الثاني «حكم القوي»، 1951، الذي التقت فيه للمرة الأولى بالفنان فريد شوقي؛ وفى نهاية تصوير الفيلم تم زواج فريد شوقى من هدى سلطان.
كان الفيلم الثاني الذي جمع بينها وبين «فريد» هو «بيت الطاعة» وهو الفيلم الثالث؛ استمر زواجها من «فريد» لمدة 15 عاما، منذ عام 1951 حتى 1969، وأثمر عن ابنتين هما «ناهد، ومها»، وقدمت معه أكثر من 20 عملاً، وأسسا شركة إنتاج سينمائية،
كان الحس الوطني عند «هدى» عاليا بدرجة كبيرة، عام 1956، أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، لم تبخل «هدى» بتقديم ما تستطيع من دعم مادي ومعنوي .
واستغلت موهبتها في الخياطة والتطريز، وأعدت ملابس للاجئي مدن القناة وقدمتهم كهدية بسيطة للمتضررين من العدوان، كما قدمت أيضا الدعم المعنوي ببطولتها فيلم «بورسعيد» مع فريد شوقي، الذي جسد أيام العدوان الثلاثي على تلك «المدينة الباسلة»، وذلك باقتراح رسمي من الرئيس جمال عبدالناصر.
ظلت «هدى» أسيرة في إطار المرأة المسالمة مكسورة الجناح، فكانت زوجة ثانية في فيلم «الشيخ حسن»، وظهرت في شخصية الضريرة في فيلم «بورسعيد»، والعاشقة الرومانسية في فيلم «المجد».
إلى أن أخرجها المخرج عزالدين ذوالفقار من هذه النمطية؛عام 1958 في فيلم «امرأة في الطريق» الذي غير مسارها السينمائي بشكل كامل، حيث جسدت في هذا الفيلم شخصية «لواحظ» امرأة غجرية طاغية الأنوثة، تستخدم جميع أسلحتها الأنثوية للإيقاع بالرجال في حبائلها.
فتح هذا الدور لـ«هدى» أبوابا لأدوار مماثلة تلتها، ففي عام 1959، قدمت فيلم «حب ودلع» للمخرج محمود إسماعيل، وفيلم «قطاع طريق» لحسن الصيفي، و«نساء محرمات» لمحمود ذوالفقار، وجسدت فيه شخصية امرأة من بيئة شعبية تسخر إمكاناتها الجسدية لتحقيق مآربها،
وقدمت هدى سلطان أكثر من عمل مسرحي تتخلله عدة أغنيات مثل، «مجنون بطة»، و«وداد الغازية»، و«الحرافيش»، و«الملاك الأزرق»، و«باي باي».
بعد أعوام من تقديم أدوار المرأة اللعوب الجريئة والزوجة الجميلة، غيرت «هدى» جلدها وبدأت في لعب دور الأم، فكانت أم حسن أرابيسك في «أرابيسك»، وفاطمة تعلبة الأم القوية التي تدير العائلة في «الوتد»، والأم القوية في فيلم «بيت بلا حنان»، والأم الحائرة في «عودة الابن الضال»، و«توحيدة» الأم الطيبة والدة الضابطين علي وحسين في مسلسل «رد قلبي»، ثم كانت «أمينة» الزوجة الخاضعة لـ«سي السيد» في «بين القصرين، والسكرية» والمأخوذتين عن روايتين لنجيب محفوظ.
تعد «هدى» الفنانة الأولى التي ترتدي الحجاب في هدوء وتكمل مشوارها مع الفن بدون حديث عن اعتزال أو أخطاء سنوات ماضية،
اعتادت «سلطان» على مدار 15 عاما متتالية حتى وفاتها في عام 2006 أن تقضي شهر رمضان بالكامل في السعودية، لتؤدي عمرة رمضان والإقامة في الحرم لمدة 15 عاما.
في عام 2000، قطعت «هدى» قرار اعتزالها الغناء بعد 30 عاما بصورة استثنائية حيث شاركت في أوبريت غنائي عن القدس تم إعداده خصيصا تضامنا مع الشعب الفلسطيني بدون أي مقابل وسعدت بعرض هشام عباس ومشاركته الغناء.
آخر دور سينمائي ظهرت فيه بعد 20 عاما على انقطاعها عن التمثيل السينمائي كان في فيلم «من نظرة عين»، 2004، كضيفة شرف.
توفيت «هدى» في 5 يونيو 2006، عن عمر ناهز 81 عاما.
التعليقات