ذهبت كعادتي كل يوم أحد إلى المسجد؛ لمساعدة بعض المستوطنين في دراسة "اللغة الهولندية"، ولكنّي نسيت تمامًا أنه يوم الاحتفال بالكرنفال، فالشوارع مليئة بالعروض الكرنفالية؛ ما تعثر معه عليّ ركوب دراجتي، فترجلت عنها واضطررت للانتظار حتى يتسنى لِي السير بين زحام المصطفين بأطفالهم على الجانبين، وفي أثناء انتظاري، وثبت ذكرياتي أمام عينيّ مع أطفالي عندما كانوا يشاركون بهذه الاحتفالات وكل عام يفكر كل منهم بماذا سيتنكر هذا العام خلال الكرنفال، ولكنّي لم أسأل نفسي يومًا عن ماهية الكرنفال، وأسراره، واكتفيت ببعض المعلومات العامة المتناثرة هنا وهناك، فرُحى الحياة لم تسمح لِي بأكثر من ذلك. أما الآن؛ بعد أن سار الأمر بعيدًا عنّي، وأطفالي لم تعد تروق لهم المشاركة في الكرنفال؛ قررت أن أبحث وراء هذا الاحتفال الذي يعدون له العدة بعمق ودقة أكثر.
وفي اليوم نفسه مساءً؛ كان لدي موعد مع إحدى صديقاتي وزوجها لاحتساء القهوة معهما، فقررت أن أحوّل هذا الموعد لحوار عمّا وراء الكرنفال.
كالعادة؛ استقبلتني "دني" وزوجها "هنك" بالترحاب بعد أن حبسا كلبيهما "بُوروس" الألماني الأصل و"بوكسي"، فهما على علم بأنّي لا أحبذ التعامل مع الكلاب، فأنا كما يطلقان عليّ "كائن قططي"؛ لأني أميل إلى القطط، بل وأقتني اثنتين منها، وأخبراني أنه معروف على مستوى العالم أن المصريين كائنات قططية، أما الهولنيون فكائنات كلابية، أي يفضلون اقتناء الكلاب كحيوان أليف على اقتناء القطط. وبعد ذلك الحوار "القططي ـ الكلابي"، وفي أثناء احتساء القهوة والشاي بالنعناع خاصتي، الذي يحضرونه لي بالطريقة المصرية؛ سألت "هِنك" عمّا وراء الكرنفال؟
فأجاب: أولًا كلمة كرنفال تعني الاحتفال أو الاستعراض الشعبي، حيث يتم تقديم عروض استعراضية تجمع بين عروض السيرك والمراسم الشعبية التقليدية، وذلك بهدف اللهو والمرح ونشر السعادة والفرح بين الناس. ويوجد رأيٌ آخر يقول: إن معنى كلمة كرنفال هو الابتعاد عن اللحوم أو التخفيف منها، ويبدأ موسم الكرنفالات في الفترة ما قبل موسم الصيام بثلاثة أيام عند المسيحيين أتباع الكنائس الكاثوليكية الرومانية، حيث يتم الاستمتاع باللحم والمنتجات الحيوانية الأخرى قبل أن يبدأ الصيام لديهم، والذي يقتضي الامتناع عن تناول اللحوم والمنتجات الحيوانية لفترة 40 يومًا، وأردف "هِنك": (هذه تعتبر آخر فرصة في أن تصبح مجنونًا قبل الالتزام بالصيام والجدية).
واصل "هِنك": يقال أيضًا إن أصل الكرنفالات كان في سويسرا قبل أن تأتي المسيحية إليها وتعتنقها، حيث كان يقام الكرنفال في فترة فصل الربيع، وكان يقام بهدف طرد الأرواح الشريرة، وذلك بحسب معتقداتهم في ذاك الوقت، وكان الناس يرتدون الأقنعة المتنوعة الأشكال وتعزف الفرق الموسيقية الألحان وهي تتقدم الحشود. ويُقال أيضًا إن الكرنفال أتى من عيد كان يقام للإلهين "ساتور وستورن"، في أواخر الحكم الروماني، وكانت هذه المهرجانات تعرف بالفُحش والتحرر من جميع القيود.
وتوجهت بالسؤال لـ"دِني": هل يوجد اختلاف بين الكرنفال الآن وبين الكرنفال في سالف العهود؟
أجابت: قطعًا يوجد اختلاف، ففي الماضي كان له نابع ديني عند الكنائس الرومانية، لكن مع مرور الزمن تلاشى المعنى الديني للاحتفال، وأصبح مجرد احتفال.
وأردفت "دِني": حتى طبيعة الصيام تغيرت، ففي الماضي كانوا لا يأكلون إلا الأسماك في أيام الجمعة، وباقي الأسبوع صيام من جميع أنواع اللحوم، وتسمح الكنيسة بأكل اللحوم أيضًا أيام الجمعة فقط للذين يعملون بجد وللحوامل والأطفال.
وكان الأطفال في الماضي لا يأكلون الحلوى، ولكن يدخرون نصيبهم منها كل يوم ويسمح لهم بأكل ما ادّخروه من حلوى يوم الأحد كمكافأة على صيامهم طوال الأسبوع.
ومع مرور الزمن؛ بدأ الصيام يقل والتشدد يقل من الكنيسة والناس، وأصبح الصيام عبارة عن تخفيف من أكل اللحوم والبيض والألبان والحلوى، وأصبحت فكرته أن يعيش الناس كالفقراء لا استمتاع بالحياة لمدة 40 يومًا.
يبدأ التجهيز للكرنفال من يوم 11 نوفمبر في نوادي مخصصة للاحتفال بالكرنفال؛ فيجهزون العربات بأشكالها المختلفة ويكوّنون مجموعات، وكل مجموعة تعبر عن موضوع معين أو فكرة معينة، وممكن أن تكون فكرة سياسية أو حزبًا سياسيًا أو قصة أطفال مشهورة... إلخ، العمل في تلك النوادي يكون تطوعيًا، لذا يتم تحضير تلك العربات في الإجازات أو بعد ساعات العمل الرسمية، لذا تستغرق شهورًا طويلة في الإعداد للاحتفال.
تبدأ العروض بالفرق الموسيقية الشعبية، وتليها العربات ذات الأشكال والأفكار والأهداف المختلفة، وآخر عربة تكون عربة البرنس (برنس الكرنفال)، ويكون في العربة 11 عضوًا من مجلس إدارة الكرنفال، وهؤلاء الأعضاء يكونون ثابتين كل عام، فقط يتم تغيير "البرنس" سنويًا. وتتميز عربة البرنس بأنها آخر عربة، حيث يلقي بالحلوى على الأطفال المصطفين على الجانبين، ولا يُسمح للعربات التي قبله بفعل ذلك، حفاظًا على حياة الأطفال حتى لا ينتشروا وسط عربات العرض لالتقاط الحلوى؛ ما يعرض حياتهم للخطر.
أخبرينا "دِني"، كيف يتم اختيار البرنس؟
يتقدم بعض الأغنياء بتسجيل أسمائهم في انتخابات برنس الكرنفال، لكن التصويت لا يتعدى مجلس الإدارة، ويكون في سرية تامة، ولا يظهر البرنس أو تُعرف هُويته إلا يوم الاحتفال.
وما الذي يدفع الناس للتقدم، ولماذا فقط الأغنياء أو رجال الأعمال؟
يتقدم رجال الأعمال؛ لأن في ذلك نفعًا كبير لهم، وهو ترويج لأعمالهم سواء كانت شركات أو مصانع، فبعد انتهاء الاحتفالات بالكرنفال يستمر البرنس طوال العام حتى حلول الكرنفال المقبل بزيارة الأماكن العامة والنوادي والمستشفيات، ويوزع الهدايا على قسم الأطفال في المشفى، ويصاحبه الأحد عشر عضوًا، وأيضًا أميرة الكرنفال وتكون غالبًا زوجة البرنس أو صديقته التي تتميز بفستان طويل من العصور الوسطى الباهظ الثمن، ويكون معها وصيفاتها اللاتي يقمن بالعروض الراقصة، وفي ذلك رواج لشركته أو مصنعه طوال العام، ويشترط أن يكون غنيًا لأنه يشتري بنفسه سترة البرنس التي تكلف 2000 إيرو.
التعليقات