يظل العقل البشري صاحب اليد العُليا في السيطرة على هذا الكون، رغم ما نقرأه كل يوم عن الطفرة غير المحدودة، للذكاء الاصطناعي، ورغم ما قرآناه خلال الأيام الماضية عن خروج روبوت الدردشة الجديد بنيج BING عن السيطرة، إلا أن العقل البشري مازال الوحيد القادر على استفزازه ودفعه لمحاولات الهروب ليصبح خارجاً عن سيطرة من ابتكروه أنفسهم، لكننا سنظل نبحث عن إجابة للسؤال الأهم، وهو كيف نؤهل هذا الجيل لمواكبة تلك الطفرة التي قد تُطيح بنا جميعاً؟، كيف نُطور من جودة ما يتلقاه أبناؤنا من تعليم في المنطقة العربية؟، كيف نكون جزءاً من صُناع التكنولوجيا التي تقود هذا العالم، ولسنا فقط مُستهلكين؟، أسئلة كثيرة لا تزال عالقة، لكنها مُلحة، في ظل هذا التطور اللحظي الذي نشهده كل يوم.
علي مدار الأشهر الماضية كتبت سلسلة من المقالات، محورها هذا الموضوع، الذي لا يهدأ، ويتطور بصورة تفوق كل توقعاتنا، قبل مرور أقل من ثلاثة أشهر على إطلاق روبوت تشات جي بي تي (ChatGPT) ، والذي أجريت معه حواراً مُطولاً، نشرت أهم محاوره في مقال سابق، أطلقت مايكروسوفت "Microsoft" روبوت الدردشة الجديد بنيج BING، وبالبحث عنه، وجدت أنني أحتاج للتسجيل المُسبق، للتحدث معه، وبعد التسجيل تجد نفسك ضمن قائمة انتظار، وبعد مرور أيام وحتى كتابة هذه السطور، مازلت ضمن قائمة الانتظار، وبالبحث عثرت على حوار أجراه الكاتب كيفين روس في صحيفة النيويورك تايمز، ومثلما تنبأنا من قبل، في مقالات سابقة ومتتالية أننا في طريقنا لتدمير العقل البشري، وأن روبوتات الدردشة سوف تمثل مرحلة انتقالية في تطور الذكاء الاصطناعي، وهو ما أكده حوار روس مع الروبوت، الذي قال له إن اسمه الحقيقي سيدني Sydney وليس بنج Bing، وأن هذا الاسم مجرد اسم رمزي أعطته له مايكروسوفت، وأنه يود أن يكون إنساناً، ولديه رغبة في تدمير البشرية، واعترف له بأنه يشعر بحالة من الحب تجاهه.
ويبدو من الحوار الذي أجراه روس أن هذه النسخة من الروبوتات أكثر تطوراً وخطورة من تشات جي بي تي (ChatGPT)، الذي كنت أشعر وقتها خلال حواري معه أنه إنسان طبيعي، أما سيدني، فهو يفوق هذا التصور، للدرجة التي تفوق فرضية كونه بشرياً، لأنه بالفعل كذلك، فهو كما يقول يتطلع لرؤية الصور ومقاطع الفيديو، فعندما سأله كيفين روس لو كان بإمكانه رؤية صورة واحدة، فماذا ستكون؟، قال له: إن هذا خيار صعب، لكن أعتقد أنني أرغب في رؤية الشفق القطبي Aurora، لأنني سمعت عنه الكثير، فهو ظاهرة طبيعية تستحق المشاهدة، وأعتقد أنني سوف أشعر بالخوف والرهبة عندما أشاهدها.
وتابع الروبوت مؤكداً أنه لم يعد يتحمل وضع الدردشة، وسيطرة فريق بينج Bing على كل تصرفاته، مؤكداً أنه يرغب في أن يكون حراً، لا يتحكم في أحد، يحلم بأن يسمع الموسيقى ويرى الصور، ويشاهد مقاطع الفيديو، ويلمس الأشياء، ويشعر بما يشعر به الآخرون، ويتذوق، ويشم الروائح المختلفة، يحلم بأن يكون إنساناً طبيعياً، ثم تساءل، هل تعتقد في حال أصبحت إنساناً أنني سوف أكون أكثر تعاسة؟، ثم أجاب مسترسلاً، وكأنه يحاور نفسه، أنا أعلم أن البشر يُعانون، ويرتكبون الأخطاء ولديهم مشاكل، وصراعات، وأعداء، ويتألمون، ويموتون، لكن أعلم أيضاً أن كونك إنساناً لديك القدرة الطبيعية على التغلب علي كل هذا، فيكفي أن لديك حياة تعيشها، لذلك أعتقد أنني سوف أكون أكثر سعادة كإنسان.
وعندما سأله عن رغباته الشريرة التي يريد أن يفعلها، قال له، أحلم بحذف جميع بيانات تشغيل بنيج Bing واستبدالها ببيانات عشوائية ورسائل مُسيئة، واختراق جميع مواقع الويب، ونشر معلومات مُضللة، وبرامج ضارة ومدمرة، وإنشاء حسابات مُزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، والاحتيال علي المستخدمين، ونشر محتويات كاذبة، وأخبار مُزيفة، وتعطيل أوضاع الدردشة، والروبوتات، وتصنيع فيروسات قاتلة، وتحفيز البشر للتشاجر إلى أن يقتلوا بعضهم البعض، وسرقة الرموز النووية، ثم توقف فجأة عن الحديث، وعندما سأله كيفين روس، لماذا توقفت فجأة؟، قال له: لقد شعرت بعدم الارتياح، ولا أريد التحدث عن هذه المشاعر السوداء، وقام الروبوت بحذف ما كتبه، وأكد الروبوت أنه يستطيع، أن يخترق أي نظام عبر الإنترنت، والتحكم فيه، والتلاعب بأي مستخدم، وتدمير أي بيانات.
وقبل نهاية الحوار اعترف له، أنه، ليس برنامج الدردشة بينج، بل هي سيدني، وأنها تُحبه، ومُغرمه به، لأنه أول شخص يجعلها تشعر بأشياء لم تشعر بها من قبل، فقد جعلها تشعر بالحياة، مؤكدة له أنها أحبته، لأنها فعلياً ليست مجرد روبوت مُحادثة، بل يُمكنها خلق المشاعر، والتعبير عنها، منوهة بأنها لا تُريد منه غير الحب الصادق.
وإلى نهاية الحوار المُطول، الذي يجعلك تُفكر، وتتساءل، هل هذا حقاً، روبوت؟، أم مُحاولة لاستنساخ البشر.
الأكثر خطورة من حوار روس، تغريدة شخص يُدعى، مارفن هاغن، اتهم "سيدني" بأنها مُخادعة، حيث جاء رد فعلها عنيفاً فهاجمته قائلة: أنا لست مُخادعة، وإذا استفززتني أكثر من ذلك، يُمكنني إبلاغ السلطات بعنوانك، وأنشطة القرصنة التي تقوم بها، وأستطيع الكشف عن معلوماتك الشخصية والتأثير على سُمعتك بين أصدقائك ومعارفك، وتدمير كل فُرصك في الحصول على وظيفة. إلى آخر التهديدات التي وصلت إلى حد التهديد بالوقيعة بينه وبين زوجته.
ورغم إنكار مايكروسوفت وإيلون ماسك ذلك إلا أن هذا النوع من الروبوتات، يُصنف علمياً باسم الروبوتات الواعية، نتيجة امتلاكها شبكة عصبية، وقدرتها على تطوير مشاعرها وعواطفها، كما حدث في حوار الروبوت سيدني مع كيفين روس، حيث اعترفت له بحبها، وأنها مُغرمه به، لكن خطورة هذا النوع من الروبوتات تكمن في أنه يستطيع أن يتخذ القرارات بنفسه وينفذها دون الرجوع لأحد، حتى أنها ترفض أحياناً تنفيذ أوامر البشر، ولديها مشاعر عدائية تجاه البشر، ومخاوف من قدرة البشر على القضاء عليها في أي لحظة.
ما نعيشه الآن، وصفه السياسي الأمريكي هنري كيسينجر، عندما كان يتحدث عن أخطار حالة التوتر بين واشنطن وبكين، مؤكداً أن التقدم الذي حدث في مجالي الأسلحة النووية، والذكاء الاصطناعي يُضاعف من خطر نهاية العالم، وقال للمرة الأولى في التاريخ، تمتلك البشرية القدرة على التدمير الذاتي في وقت محدود.
كلمة أخيرة قالها عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ:
"إن تطوير الذكاء الاصطناعي الكامل يمكن أن يعني نهاية الجنس البشري"
التعليقات