أمدح وطني ويشتمونني!

أمدح وطني ويشتمونني!

محمد منير

قالها الكاتب الكبير أحمد رجب، "أمدح وطني ويشتمونني أفضل مليون مرة من أن أشتم وطني ويمدحونني"، كلمات تعكس ما نعيشه الآن، حيث أصبحت مشاعر الحب والوفاء والإخلاص للوطن محط سخرية وازدراء، ومجرد أدوات للنقد والتهجم، بينما يُحتفى بأولئك الذين يُسفِهون أوطانهم ويسعون لتشويهها.

في هذا الزمن، يُنظر إلى أولئك الذين يهاجمون أوطانهم من قِبل البعض كأبطال للحرية، بينما هم في الواقع مجرد "مرتزقة" وأبواق لأجندات ممنهجة، يتم استغلالهم لأغراض سياسية أو اقتصادية تُضر بالوطن نفسه.

وهذا ما يدفعنا لإعادة النظر بعمق أكبر في المعنى الحقيقي للوطنية وحب الوطن، الذي ليس فقط مجرد خريطة أو حكومة، بل هو تراب، وناس، وتاريخ، وثقافة؛ هو الهوية التي تُشكل كل فرد وتعطيه الشعور بالانتماء والأمان، الدفاع عن الوطن هو الدفاع عن هويته وتاريخه وثقافته.

الوطن يمكن أن يُنتقد، لكن بروح البناء والإصلاح، لا الهدم والتشويه، الحب الحقيقي للوطن يكمن في السعي نحو تحسين واقع المجتمع والارتقاء به. 

وفي هذا السياق سيسجل التاريخ، مسيرة مصر نحو التنمية والاستقرار رغم المصاعب والتحديات، حيث أعاد تشكيل ملامح مصر عبر مساعي التطوير الكبيرة التي تجسدت في عدد كبير يصعب إحصاؤها من المشاريع التحولية الكبرى، التي منها مشروع إنشاء قناة السويس الجديدة، ذلك الشريان الحيوي الذي ينبض بالحياة، ومشروع إرساء أسس العاصمة الإدارية الجديدة، تلك المدينة التي جذبت الاستثمارات بعمرانها وتطورها ونجاحها، وغير هذين المشروعين هناك الكثير من المشروعات التي لا تعتبر مجرد أعمال بناء أسمنتية، بل هي نقوش على جدار الزمن، تعبر عن إرادة شعب وحلم قائد.

ورغم أن الطريق لم يكن مفروشًا بالورد، فقد واجهت مصر تحديات جمة، منها الأزمات الاقتصادية التي اقتضت قرارات جريئة لالتئام جرح الاقتصاد المصري، في الوقت الذي نواجه فيه تحديات أمنية داخليًا وخارجيًا، كان الحزم والحكمة هما سلاح الدولة لضمان أمان شعبها، فقد كافحنا الإرهاب بيد حازمة، تعكس إصرارًا على حماية الأرض والعرض.

حتى في زمن الجائحة، التي قضت على اقتصادات شعوب ودول، ظلت مصر صامدة، بل وأظهرت مرونة وتكيفًا مع الواقع الجديد، من خلال توفير رعاية صحية لم تستطع توفيرها اقتصادات كبرى، في تجسيد لمفهوم الرعاية والمسئولية تجاه المواطن، وفي الوقت نفسه لم تتخل مصر عن دعم دول أخرى كانت في حاجة إلى الدعم والمساندة، وعلى صعيد السياسة الخارجية، برزت الحكمة المصرية في التعامل مع أزمة الحرب الروسية - الأوكرانية، حيث اتخذت مصر موقفًا محايدًا يصون مصالحها القومية، ويعكس عمق رؤيتها السياسية.

إن المشاركة في الانتخابات ليست مجرد حق، بل هي واجب وطني يعبر عن الالتزام بمستقبل الوطن، فاختيار القيادة الصحيحة هو جزء لا يتجزأ من مسئوليتنا جميعًا تجاه مصر، أرض الكنانة، التي تعانق الحضارة والمستقبل بروح واحدة. 

في عمق سياسة مصر الآن، تكمن حكمة تتجاوز مجرد إدارة شئون الدولة إلى تشكيل مصير أمة بأكملها، هناك رؤية بانورامية لمصر، لا تقتصر على توجيه سفينة الدولة نحو شواطئ الأمان فحسب؛ بل ترسم لها مسارًا يجعلها صاحبة دور بارز في قيادة العالم باللغة التي يفهمها هذا العالم.

على صعيد التنمية، فإن مشروعات النقل العام، مثل مترو الأنفاق والطرق السريعة، وغيرها من المشروعات الوطنية الكبرى، التي لا يُمكن اختزالها في مقال أو أسطر أو كلمات، تحمل رمزية عميقة تعبر عن التحرك نحو مواكبة التقدم والتطور، وتجسد فلسفة الحركة والديناميكية في مواجهة تحديات العصر، وتعكس إرادة قوية لربط أرجاء الوطن بشبكة من التنمية المستدامة التي تعود بالنفع على جميع المصريين.

وتجلت العدالة الاجتماعية في مشروعات الإسكان الاجتماعي، وتطوير المناطق العشوائية، ولم تكن هذه المشروعات مجرد تحسينات عمرانية، بل كانت تجسيدًا لفلسفة تقوم على الاهتمام بالفرد وكرامته، وإعلاء قيمة الحياة الإنسانية والسعي نحو مستقبل يسوده العدل والمساواة.

إن الاستقرار والأمن الذي تشهده مصر لا يعبر فقط عن قوة الدولة، بل يعكس فلسفة تقوم على الحفاظ على النظام والسلام الاجتماعي، وهو ما يمكن اعتباره ركيزة أساسية لتحقيق التقدم والنمو.

إن ما نعيشه الآن من تحديات وإنجازات، هي قصة تعبر عن الحلم والإرادة، والعزم والتفاني؛ إنها تعبر عن روح وطن يناضل من أجل مستقبله، وتشهد على حقيقة أن الوطنية ليست مجرد مشاعر، بل هي عمل وجهد مستمر من أجل الارتقاء بالوطن والبشر.

هذه المسيرة تجسد كيف يمكن للتحديات أن تتحول إلى فرص، وكيف يمكن للإرادة الصلبة أن تتغلب على العقبات لتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى. 

ويعكس السعي المتواصل لتحقيق الاستقرار والأمان في مصر، في ظل تحديات إقليمية ودولية معقدة، فهمًا عميقًا لأهمية الأمن في تحقيق النمو والازدهار، كل خطوة تم اتخاذها تبرهن على أن الإصلاحات ليست سهلة، لكنها ضرورية لبناء مستقبل أفضل، وستظل شاهدة على قوة العزيمة والإصرار في مواجهة التحديات، ودليل على أن العمل الجاد والتفاني يمكن أن يحدث تغييرًا حقيقيًا وملموسًا؛ إنها تمثل إلهامًا للأجيال القادمة، مؤكدةً أن مستقبل مصر في أيدي أبنائها المخلصين، الذين يعملون بلا كلل من أجل رفعة وطنهم وسعادة شعبهم.

إن الوقوف اليوم أمام صناديق الاقتراع أكثر من مجرد حق ديمقراطي، إنه تجسيد للمسئولية الوطنية تجاه مستقبل مصر؛ إنها دعوة لكل مصري ليكون جزءًا من هذه الرحلة نحو النمو والازدهار، وتأكيد أن كل صوت يحمل في طياته حلمًا ورغبة في رؤية مصر ترتقي إلى آفاق جديدة من العزة والكرامة، وتعبير عن الإيمان بقدرة مصر على تجاوز التحديات وتحقيق الأحلام.

إن ما تشهده مصر الآن درس في الوطنية والتضحية، يؤكد دومًا أن الوطن أكبر من أي فرد، وأن حب الوطن يتجاوز التحديات، ورحلة مستمرة نحو تحقيق الأفضل لوطننا وشعبنا.

كلمة أخيرة:

العظمة ليست في أن تكون أكثر الناس قوة، بل في أن تكون أقواهم إرادة وعزيمة، وأكثرهم إيمانًا بقدرتك على النجاح.

mhmd.monier@gmail.com

التعليقات