ما أن وقفت أمام مرآتى أحادث نفسى قائلة
"حتمـًا إذا إمتنعت عن أكل المكرونة المغطاة بطبقة البشاميل السميكة، وأصابع المحشى التى ألتهمها بلا توقف ولا عدد سأصير أكثر نحولا خلال بضع أسابيع، ولكم هذا موجعا ! بل والأكثر إيلامًا حين أرى قطع الحلوى والشيكولاتة بيد أبنائى ولا أشاركهم إياها، ولكن بالأخير سأرتدى فستان أمى ذو الخصر الرفيع الذى إرتدته فى الستينات و لسوف ألتقط لنفسى العديد من الصور التذكارية، آااااه ياله من أكثر احلامى الجميلة، أسرح بخيالى و أرانى بذاك الفستان وأنا أضع زهرة بيضاء على أحد جانبى شعرى والتى سأعلقها خلف أذنى فأنا امتلك أذنا كبيرة (لحظة حتى لا ياخذنا الخيال لمنطقة اخرى إنها مجرد أذن وليست بسماعة تصنت)"...
بينما كل تلك التخيلات الممتعة بالنسبة لشخصية حالمة مثلى، فجأة يدق جرس الباب بشكل مربك ليأخدنى من أحلامى الجميلة إلى أرض الواقع الأليم، إنه ابن الجيران الصبى الأكثر جرأة إعتاد أن يفعل ذلك بشكل يومى، قد يكون التآلف بين الجيران شيئًا لا غبار عليه، "إنها حقا عائلة محترمة" لا اقصد مسرحية فؤاد المهندس وشويكار إنما أقصد عائلة الاستاذ صالح ومدام جميلة جيرانى الجدد..
يخطر ببالي أول لقاء بينى وبين تلك الأسرة التى تقطن الطابق العلوى لمنزلى فقد أسرعت ذات يوم وأنا أشعر بالإمتعاض والحنق للشقة التى تعلو شقتى لأخبر الجيران بأفعال صبيهم الصغير التى تربكنى أحيانا و تعصبنى فهو لا يتنازل عن الطرق على باب شقتى حين يصبح ويمسى صاعدًا كان أم هابطًا وبكل مرة أوبخه دون جدوى أو إنصات منه، إعتذرت منى مدام جميلة والدته بشكل لائق كاد أن يرضينى بالأحرى كان ينبغى أن أذكر لها واقعة أخرى لذلك الصبى حين تربص من شرفته وقام بسكب العصير على الغسيل المنشور بشرفتى ولكن مع إعتذار والديه الأنيق شعرت بخجل و قبل أن أنصرف و ياليتنى ما فعلت قمت بدعوتهم لحضور حفل عيد ميلاد ابنتى الصغيرة، لم أكن على دراية بما سيحدث بمنزلى ذلك اليوم أعتقد أن (د احمد خالد توفيق) كان أصدق حين ذكر بمقاله (تخنقنى أزمة اللاجدوى) بكتابه الرائع (فقاقيع) و قال: "وفى النهاية يرحلون كالمغول تاركين خرابًا و أرضًا محروقة" ، فعلا أننى وجدت بعد أن رحلوا كل الاشياء بالمنزل تحتاج إلى ترتيب وإعادة تدوير مما يدعو للإنزلاق الغضروفي! ..
من الجميل جدًا أننا نستعد للرحيل لمنزل آخر فبعد تلك الأحداث السخيفة إعتقدت أننى أخيرا سألتقط أنفاسى بمكان آخر لا يوجد به عائلة صالح وجميلة وابنهما الشقى ولكن نزل الخبر على رأسى كالصاعقة حينما أخبرنى زوجى أن المنزل الجديد يسكن معانا به أخو الأستاذ صالح وأنه يذهب لمنزل أخيه بشكل شبه يومى أو على الأقل لابد من قضاء إجازة نهاية الأسبوع للأخوة المتحابين و إلتقاء الأبناء مع بعضهم البعض ، حسنا سأذهب لمشاهدة فيلم كراكون فى الشارع ربما أجد الحل أو أذهب و أدبر أنا و زوجى للوقيعة بين الأستاذ صالح وأخيه .
التعليقات