تتجه المجتمعات المعاصرة نحو مرحلة جديدة من مراحل نموها الاجتماعي والاقتصادي والرقمي؛ مصحوبة بأنماط سلوكية مستحدثة أساسها المعلومات والبيانات السيبرانية المنقولة عبر الفضاء.
ومن المؤكد أن العالم مقبلٌ على أكثر وأخطر مما نشهده اليوم بفضل تطور البيئة العالمية للتقنيات السيبرانية التي أصبحت تغطي مساحات فضائية غير محدودة ، ولقد أصبحت تقنيات الحاسب الآلي والاتصالات الإلكترونية ووسائطها الذكية محورا لهذه البيئة ، وأداة لكافة المعاملات والأنشطة التي يضطلع بها الإنسان ويعيش عليها.
لقد أصبحت الثورة السيبرانية ووسائطها الذكية، مالكة ومهيمنة على أسرار الأمن الصناعي ، الأسواق المالية ، حركة النقل والمواصلات ، الملفات الاجتماعية ، الأنشطة الأمنية والعسكرية والشُرطية وحتى ألعاب الأطفال والبرامج الترفيهية ، وتسعى المجتمعات والأسر والأفراد بقوة نحو التوسع في التعامل عبر الوسائط السيبرانية.
وليس من الغريب أو المفاجئ أن تصاحب هذه الثورة السيبرانية التي أدخلت على مختلف مجالات الحياة اليومية آثاراً سالبة على سلوكيات أفراد المجتمع مما أفرز أنماطاً جديدة من الجرائم ذات العلاقة بتكنولوجيات العصر تعرف بالجرائم السيبرانية. إن مواكبة هذه المتغيرات التقنية التي بدأت تهيمن على حياة الإنسان ومعاملاته ، واحتمالات نمو هذا الاتجاه في المستقبل بإيجابياته وسلبياته ، تلزمنا الكتابة والبحث حول أسباب الحماية الأمنية الذكية، ومواجهة المخاطر والمهددات، التي قد تعيق الاستفادة العامة من التقنيات السيبرانية.
لأجهزة العدالة وسلطات إنفاذ القوانين تجارب ناجحة في التعامل مع الجرائم التقليدية ومواكبة مستجداتها منذ أقدم العصور ، إلا أن النقلة التي تقبل عليها أجهزة العدالة اليوم أكبر مما كان متوقعاً ، فالانتقال من مرحلة التعامل مع الأدلة المادية الملموسة معروفة المصادر إلى مرحلة التعامل مع الأدلة الرقمية المنتشرة في أماكن افتراضية أمرٌ لا مُحال يثير مشكلات مهنية وأخرى قانونية ينبغي تحديدها بدقة ووضوح توطئة لوضع الحلول المناسبة لعلاجها ، ويمكننا عرض تلك المشكلات في النقاط التالية :
- معطيات تقنية المعلوماتية والاتصالات الحديثة أضافت إلى مشكلة الجريمة والمنازعات المدنية أنماطاً سلوكية على درجة عالية من التعقيد ويحتاج إثباتها إلى أدوات علمية نابعة من طبيعة الأنشطة المعلوماتية
- كانت الأدلة التي ألفتها أجهزة العدالة في السابق أدلة مادية ملموسة ، وتأتي الجرائم الرقمية اليوم وتفرض على الواقع أدلة ذات الطبيعة السيبرانية ، فيما يعرف بالأدلة الرقمية.
- إن الحاجة للتحقيقات الرقمية والأدلة الرقمية لا تقتصر على المسائل الجنائية بل تمتد إلى معالجة المنازعات المدنية والشرعية.
في هذه البيئة الحافلة بلغة المعلومات والأرقام والبيانات الكبيرة Big Data والانتقال السريع نحو الرقمنة ووسائطها الذكية في كافة المعاملات اليومية.. يفتح باباً جديداً من أبواب المعرفة يضاف إلى حقل العلوم الجنائية ألا وهو باب معرفة الأمن السيبراني وعملياته الدفاعية والكشفية والعدلية والتي تتقدمها التحقيقات الرقمية Digital Investigations ، والأدلة الرقمية Digital Evidence ، والتنقيب في البيانات الكبيرة Mining Big Data ، والفحص الشرعي للحاسب الآلي Computer Forensics والأدلة الاصطناعية Artificial Evidence القائمة على الذكاء الاصطناعيArtificial intelligence .
- الأمن السيبراني ...
إن البحث والدراسة والتعلم المستمر، يمكننا من تفادي المخاطر والمهددات الأمنية السيبرانية ، وبناءً عليه يُنظر إلى موضوع الأمن السيبراني وتقنياته ووسائطه الذكية كضرورة لاغنى عنها.
في عالم اليوم المربوط بشبكات الإنترنت الذي أصبحت فيه التقنيات أساساً لحركة مجتمعاتنا المعاصرة .. يقوم اختصاصيو الأمن السيبراني وخبراء فحص الحاسب الآلي بالتعامل مع مجموعة كبيرة من المخاطر والمهددات. إن قدرات اكتشاف تلك المخاطر والمهددات والتحقيق فيها وتحليلها والوقاية منها لا يمكن تعزيزها دون استغلال وتسخير المعلومات الاستخباراتية والبيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي - على سبيل المثال - بعد جمع قدر من المعلومات المتميزة أو استنباطها من مختلف حلول المراقبة " تظل هناك ضرورة ملحة للتنقيب عن البيانات وتفسيرها واستخراج المعرفة من تلك البيانات أو البيانات الكبيرة المهيكلة منها وغير المهيكلة "(1).
يُعنى هذا البحث بالأمن السيبراني بمفهومه الواسع ومقوماته العامة وارتباطه الوثيق بمنظومة الأمن القومي، خاصة بعد أن " أصبح الاستثمار في الأمن السيبراني واجباً وليس مجرد رغبة "(2).
لا تقف الممارسات السيبرانية الضارة عند الاعتداءات على الأموال والعمليات الاقتصادية وانتهاكات الحقوق الشخصية بل تمتد إلى أبعد وأخطر من ذلك كله بالاعتداء على المعلومات الأمنية واختراق قواعد البيانات ومواقع الاستخبارات العسكرية والتأثير على سياسات الدول العظمى بإثارة الشبهات حول نتائج انتخابات الرؤساء وغيرها.
كل ذلك ومع التوسع في استخدام التقنيات السيبرانية وأجهزتها الذكية تتضاعف فرص ارتكاب الجرائم السيبرانية، الأمر الذي يدعونا إلى البحث حول منظومة للأمن السيبراني مؤهلة وقادرة على مواجهة الجرائم السيبرانية بذات المؤهلات والمهارات التي ترتكب بها الجرائم السيبرانية.
إننا اليوم أمام ظاهرة أمنية تهدد مجتمعاتنا في كافة أنشطتها اليومية وأنظمتها الاقتصادية والسياسية وقيمها الحضارية ومنظومة أمنها الوطني. فهل أعددنا أنفسنا لمواجهة تلك المهددات أو الحد منها؟ هل نحن في حاجة إلى منظومة خاصة للأمن السيبراني لها مقومات ومرتكزات تختلف عن النظم الأمنية الراهنة؟ كيف يمكننا ضمان أمننا القومي في مواجهة الأسلحة الرقمية السيبرانية؟ هل يستطيع الذكاء الاصطناعي كشف التهديدات السيبرانية ؟
- مفهوم الأمن السيبراني ومهدداته ...
للأمن خصائص رئيسية هي السرية، التوافر والكمال. فالسرية تعني بإيجاز الخصوصية واتخاذ تدابير تضمن عدم وصول المعلومات الحساسة إلى الأشخاص الخطأ ، وحصر تبادلها بين الأطراف والمنظمات ذات الاختصاص. أما التوافر فهو ضمان أن تكون الأنظمة والبرامج المعنية بنقل وتخزين وتشغيل البيانات والمعلومات قابلة للدخول الآمن عليها من قبل المعنيين. وتكتمل خصائص الأمن بالكمالة، وهي تأكيد أن المعلومات التي نحن بصددها دقيقة وشاملة وموثقة. وفي مجال أمن المعلومات تعني الكمالة تأكيد دقة وملائمة البيانات أثناء انسيابها عبر دورتها الحياتية(3) .
ويمكننا إدراك مفهوم الأمن السيبراني بشكل أفضل بتعريف الفضاء السيبراني Cyberspace.
الفضاء السيبراني هو نطاق تفاعلي Interactive Domain مكون شبكات رقمية تستخدم لاحتواء وتحسين ونقل البيانات، بما في ذلك الإنترنت ونظم المعلومات الأخرى التي تدعم البنيات التحتية وخدمات المنظمة(4).
“Cyber security is and interactive domain composed of digital networks that are used to contain, modify and transfer data. This includes the internet and the other information systems that support a company’s infrastructure and services”
ويُعرف البعض الفضاء السيبراني بأنه البيئة التي يحدث فيها التواصل عبر شبكات الحاسب الآلي(5) cyber space is the environment in which communication over computer occurs . ولايخفى على أحد أن معاملات الإنسان الخاصة والعامة أصبحت اليوم في حالة من التواصل الذي يمتد ويتجدد ويكون أكثر تعقيداً كل يوم. إن معاملات أجهزة الدول التشريعية والتنفيذية والقضائية بما في ذلك معاملات الأمن القومي، قطاع النقل والمواصلات، قطاع التعليم والصحة، قطاع البنوك والمؤسسات المالية والتجارية أصبحت غارقة في بيئة التواصل الفضائي.
الأمن السيبراني cyber security والذي يطلق عليه أحياناً بأمن تقنية المعلومات هو حماية أجهزة الحاسب الآلي وشبكاتها وبرامجها من أي دخول غير مرخص به أو تسبب أي تغيير أو إساءة. وبعبارة أخرى: الأمن السيبراني هو حالة الحماية والأمان ضد الجريمة أو ضد استخدام البيانات الرقمية أو الشروع في ذلك.
- الذكاء الاصطناعي .. تعريف وقدرات ...
لغة عرف قاموس " مريام وبستر" عبارة الذكاء الإصطناعي بأنها:
• فرع من علوم الحاسب الآلي يُعنى بمحاكاة السلوكيات الذكية للحاسب الآلي.
A branch of computer science dealing with the simulation of inelegant behaviour in computer.
• قدرة الآلة على تقليد السلوكيات الذكية للإنسان.
The capability of a machine to imitate intelligent human behaviour.
إصطلاحاً، تعرف عبارة الذكاء الإصطناعي بأنها:
• نماذج حاسوبية لسلوك الانسان.
• برامج حاسوبية تعمل (بدرجة عالية) مثل الانسان.
• نماذج حاسوبية لعمليات فكر الإنسان.
• برامج تعمل (داخلياً) بالطريقة التي يعمل بها الانسان.
ويطلق البعض على الذكاء الاصطناعي ذكاء الآلة Machine intelligence على عكس الذكاء الطبيعي Natural intelligence الذي يتميز به الانسان والحيوانات الأخرى.
وتشمل البحوث والدراسات في مجال الذكاء الاصطناعي البحث عن الأسباب ، المعرفة، التخطيط، التعلم، عمليات اللغات الطبيعية والمنطق.
يهدف الذكاء الاصطناعي إلى أتمتة مجموعة واسعة من المهام وتحسين خوارزميات تعلم الآلة خاصة في مجال الشبكات العصبية العميقة، وتطوير أطر البرمجيات القياسية للتكرار الأسرع وتكرار التجارب، وتوسيع الاستثمارات التجارية في مجال الذكاء الاصطناعي.
- هل يستطيع الذكاء الاصطناعي كشف التهديدات السيبرانية ؟
" يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن التهديدات وغيرها من الأنشطة الضارة المحتملة. لا يمكن للأنظمة التقليدية مواكبة العدد الهائل من البرامج الضارة التي يتم إنشاؤها كل شهر ، لذلك يعد هذا مجالًا محتملاً لقيام الذكاء الاصطناعي بالتدخل ومعالجة هذه المشكلة. وتقوم شركات الأمن السيبراني بتعليم أنظمة الذكاء الاصطناعي للكشف عن الفيروسات والبرامج الضارة باستخدام خوارزميات معقدة حتى يتمكن الذكاء الاصطناعي من تشغيل التعرف على الأنماط في البرامج. يمكن تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على تحديد حتى أصغر سلوكيات هجمات الفدية والبرمجيات الخبيثة قبل أن تدخل النظام ثم تعزلهم عن هذا النظام. يمكنها أيضًا استخدام الوظائف التنبؤية التي تتجاوز سرعة الأساليب التقليدية. يقوم الذكاء الاصطناعي بجمع الآراء واستخدام التفكير المنطقي لتحديد العلاقات بين التهديدات، مثل الملفات الخبيثة أو عناوين IP المشبوهة أو المطلعين على المعلومات. يستغرق هذا التحليل ثوان أو دقائق، مما يسمح للمحللين الأمنيين بالاستجابة للتهديدات بسرعة أكبر " (6).
- الأمن السيبراني ومفهوم الأمن القومي ...
باتت دراسات وبحوث الأمن القومي تركز في بيان مفهومها للأمن القومي على توفر القدرات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تجعل من الدولة قوة قادرة على حماية أراضيها وأمن وسلامة مواطنيها. ونحن هنا نضيف مرتكزاً جديداً لمفهوم الأمن القومي يتمثل في مدى قدرات الدولة في مجال التقنيات السيبرانية ومدى تفوقها في التعامل السيبراني الآمن. لقد أصبح الأمن القومي لأي دولة من دول العالم مرتبطاً ومتداخلاً مع أمن غيرها من الدول. لذا لم يعُد الأمن القومي للدولة قاصراً على قوتها الداخلية واستقرارها الاقتصادي والسياسي وقوتها العسكرية القادرة على حماية حدودها، بل أصبح للأمن القومي لأي دولة أبعاداً ممتدة عبر الحدود الدولية والقارية. وتسعى الدول اليوم وراء المعلومات الاستخباراتية والبيانات الاقتصادية والاجتماعية والمعلومات السياسية والإستراتيجية والرؤية المستقبلية للحكومات وتطلعات الشعوب ، ومن ثم الدراسة والتحليل لتلك المعلومات واستنباط ما قد يفيد أو يضر أمنها القومي. ولا يتحقق ذلك بالكفاءة والفاعلية المنشودة إذا اعتمدت الدولة على الأساليب التقليدية لجمع المعلومات الاستخباراتية، وذلك لأسباب أهمها:
- كثافة المعلومات والبيانات وتنوعها من بيانات مهيكلة وأخرى غير مهيكلة ومعلومات سرية وأخرى لها مصادر مفتوحة، تشكل في مجملها ما يعرف بالبيانات الكبيرة Big Data التي تحتاج إلى مستودعات افتراضية وبرامج للتنقيب عن البيانات Data mining واستخلاص نتائج ذات قيمة، الأمر الذي يجعل رجال الأمن ووسائل التجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية التقليدية غير مؤهلة للتعامل معها.
- أصبحت المعلومات والبيانات الخاصة بالدول وأمنها القومي مخزنة أو منقولة عبر الوسائط والتقنيات السيبرانية في مساحات إفتراضية غير محدودة.
- الاعتماد الكبير للدول والمجتمعات على التقنيات السيبرانية في كافة شؤون الحكم والإدارة والمال والاقتصاد والمعاملات العامة والخاصة وضع كافة مقومات الأمن القومي في سلسلة التقنيات السيبرانية ووسائطها الذكية المتطورة والمتجددة دوماً.
تعتبر المعلومات والبيانات الأمنية اليوم السلاح الأقوى، فمن يملك المعلومات في الوقت المناسب ويحسن استثمارها واستخدامها هو الذي يكسب المعركة ، عسكريةً كانت او اقتصادية أو سياسية أو رقمية. إن أكبر القوى العسكرية قد تقع فريسة في يد الأعداء بسبب افتقارها للمعلومات، كما أن الشركات الكبرى والصناعات المتقدمة والمؤسسات المالية قد تتعرض للخسائر الفادحة أو الانهيار التام إن لم تكن تعمل على مقومات معلوماتية سليمة تكشف لها الأسواق العالمية والمنتجات المنافسة لها.
ومتى ما كانت مقومات الأمن القومي ومعلوماته وبياناته في صفحات قواعد البيانات السيبرانية ومحمولة ومتداولة عبر وسائطها الذكية، فإن الأمر يتطلب تفعيل دور الأمن السيبراني في منظومة الأمن القومي.
إن الأمن السيبراني معني بحماية الأمن القومي من خلال حمايته للبنية التحتية لأنظمة المعلومات والاتصالات ومواردها البشرية وأسرارها التقنية واستراتيجياتها الأمنية والعسكرية وقيمها الثقافية والفكرية المؤثرة على أمنها القومي.
في كثير من الدول المتقدمة ما زالت وظيفة الأمن السيبراني موكلة لشركات القطاع الخاص ومختبراته وخبرائه، وذلك لندرة الكفاءات المهنية المؤهلة للقيام بمهام الأمن السيبراني التي تحتاج إلى معارف متقدمة في علوم الحاسب الآلي والاتصالات الإلكترونية والتطبيقات الرقمية فيما يتصل بالتعرف على المخاطر وتحليلها واكتشافها ومواجهتها وتفادي خسائرها وإعادة الأعمال إلى حالتها الأولى.
إذا، أصبح من الضروري بناء أجهزة حكومية متخصصة للأمن السيبراني، يكون لها موقعها المتقدم في الهياكل التنظيمية لأجهزة الأمن القومي كأداة تربط بين مفاصل الدولة في القطاعين العام والخاص تضطلع بحماية الأصول الحقيقية للمعلومات وتحول دون اختراقها من خلال حسن تحليل تلك المعلومات وأستثمارها واستخدامها.
- كيفية دمج الأمن السيبراني في منظومة الأمن القومي ...
من خلال البحوث والدراسات والتشريعات الموثقة، وتجارب الدول المتقدمة مع التقنيات السايبرانية وأمن المعلومات التي وقفنا عليها وضح لنا ما يلي:
- التقنيات السيبرانية ووسائطها الذكية واستخداماتها المتنوعة تنمو وتتضاعف بشكل ملحوظ.
- هنالك مؤشرات واضحة على استمرار النمو في استخدامات التقنيات والسيبرانية واستمرار تطورها المتسارع.
- أصبحت التقنيات السيبرانية، والسيبرانية الفضائية على وجه الخصوص، مستودعاً وأداة نقل وتحليل وتقييم لمختلف البيانات والمعلومات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والشرطية، وكل ما يتعلق بالحياة اليومية للإنسان.
- رغم الجهود التي بذلت وما زالت تبذل لضمان أمن المعلومات والاتصالات الإلكترونية وأجهزتها المتطورة وبرمجياتها المعقدة، ظلت وسوف تظل المخاطر والمهددات مصاحبة لها وكامنة في مكونات وعناصر العمليات السيبرانية وتقنياتها.
- وقعت معظم دول العالم على معاهدات دولية واتفاقيات إقليمية لمواجهة المخاطر ومهددات الأمن السيبراني، كما أصدرت من التشريعات الوطنية ما ينظم معايير واستخدامات التقنيات السيبرانية في جوانبها المدنية والجنائية والأمنية، إلا أن السباق بين التطور التكنولوجي وتطوير القوانين قد يُعد غير متكافئاً.
- رغم الجهود المبذولة في إبرام المعاهدات الدولية وتبني القوانين الوطنية لحماية الأمن السيبراني، ما زالت معظم دول العالم المتقدم تعاني من عجز في تفعيل تلك القوانين وتنفيذها على الواقع بأجهزة العدالة وأجهزة إنفاذ القانون التقليدية لكونها غير مؤهلة تأهيلاً ملائماً لبيئة التقنيات السيبرانية.
- بالرغم من اهتمام وإدراك أجهزة الأمن القومي بمخاطر الأمن السيبراني، إلا أنها ما زالت تتعامل مع تلك المخاطر بذات التدابير التقليدية التي تتعامل بها مع غيرها من المخاطر الجنائية والسياسية والأمنية.
- إن أجهزة الأمن القومي، باعتبارها المسؤولة والمؤتمنة على كافة المعلومات والبيانات الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية للدول والشعوب، لم تنشئ نظم أو كيانات متخصصة تعمل في الوقاية والاكتشاف والتحقيق والاستجابة والتعامل مع المجرم السيبراني.
- الأمن السيبراني يبقى كمفهوم وفكر في الأذهان، إلا أن تطبيقه وتطوير معاييره ومبادئه وخططه الإستراتيجية، ما زال بعيداً عن الواقع وحجم المخاطر السيبرانية الماثلة.
- رغم وجود بعض المساقات التعليمية والبرامج التدريبية وهي متواضعة، لا نجد كذلك مؤسسات تعليمية متخصصة لإعداد الموارد البشرية وبناء قدرات لأهم وظائف المستقبل (حماة الأمن السيبراني)، أو لتأهيل خبراء فحص الحاسب الآلي وتحليل البرامج والتقنيات السيبرانية والأدلة الرقمية وفق مناهج تجمع بين علوم الأمن والقانون والتكنولوجيا لإعداد خبراء الفحص التقني القانوني للحاسوب وملحقاته Techno-Legal expert كما هو الحال في دراسات الطب الشرعي Medico-Legal studies.
- يعتبر إطار عمل الأمن السيبراني للمعهد القومي الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا، من أفضل التطبيقات العالمية التي يمكن الاسترشاد بمبادئه ومعاييره في تعزيز أو بناء نظم للأمن السيبراني.
إن ما تقدم من حيثيات ما هو إلا قليل من المؤشرات التي تستوجب معالجة الأمن السيبراني بمنظور وقيم ومبادئ الأمن القومي للدول والشعوب. إن مخاطر ومهددات الأمن السيبراني الراهنة والمتوقعة على المدى البعيد في حاجة إلى عمل أمني كبير يبدأ في وقت مبكر لكونه عملاً استراتيجياً لا يقتصر على الأجهزة والمعدات التكنولوجية والموارد المالية والبشرية فحسب، بل هو عمل يحتاج إلى التربية وبناء جيل جديد محصن بالقيم والأخلاق والسلوك الحميد الذي يرقى إلى القيم العلمية والتكنولوجية التي ابتكرها الإنسان لتحقيق حياة أفضل وسعادة ورفاهية بعيداً عن أسباب التدمير والخسران.
إن مؤسسات الأمن القومي هي المعنية بتبني وظائف الأمن السيبراني بمفهومه الواسع عن طريق رسم سياساته وخططه الإستراتيجية ودراساته وأبحاثه وبناء القدرات البشرية القادرة على تحقيق الأمن والسلامة.
- تشريعات الأمن السيبراني ...
رغم الجهود التي بذلت لحوكمة تقنيات المعلومات والاتصالات الإلكترونية والمعاملات السيبرانية وفق الاتفاقيات الإقليمية والدولية والتشريعات الوطنية لكثير من الدول المتقدمة، ما زال هذا المجال الحيوي يعاني من قصور في القوانين الوطنية التي تنظم العمليات المرتبطة بالتقنيات السيبرانية وحكومة معاملاتها.
على المستوى الدولي لاحظنا إنجازاً لمواجهة الجرائم السيبرانية، فيما يُعرف بالمعاهدة الدولية للجريمة السيبرانية لسنة 2001 والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2004 بانضمام (122) دولة.
ونحن نتناول موضوع الأمن السيبراني في سياق منظومة الأمن القومي ومنظومة الأمن الدولي بصفة عامة نجد أنفسنا أمام بيئة كونية تهيمن عليها التقنيات المتطورة والمتجددة للمعلومات والاتصالات الإلكترونية والثقافات السيبرانية والسيبرانية الفضائية.
لقد أصبحت كافة مقومات الحياة وشؤون الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والأمنية مرتبطة أو منقولة أو مستودعة في وسائط التقنيات السيبرانية والمواقع الافتراضية التي يصعب التحكم عليها أو ضمان سلامتها ، كما سبق البيان. وللقوانين هنا أهمية خاصة لتنظيم العمل في هذه البيئة الكونية السيبرانية لأسباب منها:
أولاً: تباين أماكن ومجالات التطبيق ومفاهيم إقليمية القوانين، إذ يصعب ملاحقة المعاملات السيبرانية ومتابعتها عبر الحدود الدولية.
ثانياً: المتغيرات المتسارعة للتقنيات السيبرانية ووسائطها الذكية تتقدم كثيراً على خطوات إبرام المعاهدات الدولية والتشريعات الوطنية.
ثالثاً: اختلاف التعليم والتأهيل المهني للعاملين في مجال القانون عن العلوم الحديثة التي تقوم عليها البيئة السيبرانية وأدواتها الذكية. وهذا ما حاولت المعاهدة الدولية للجريمة السيبرانية معالجته بتأسيس تلك المعاهدة على ثلاثة أركان هي:
- المعاهدة الدولية وبروتوكولاتها.
- بناء القدرات للأمن السيبراني.
- المتابعة والتعاون الدولي في مواجهة مشكلات الأمن السيبراني.
- ختاماً ...
لا شك أن الذكاء الاصطناعي Artificial intelligence (AI) يقوم اليوم بدور محوري في التحول الرقمي في شتى المجالات ؛ وما يحققه الآن هو جدير بتغيير العالم من حولنا ، وعلى الخبراء والعلماء والمتخصصين تكثيف الدراسات والبحوث لهذه المتغيرات المتجددة وفهم الطرائق المتعددة والمختلفة التي يشنها القراصنة عبر الهجمات السيبرانية، ولذلك نشكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، على اعتماده إنشاء مجلساً للأمن السيبراني ؛ الذي يختص باقتراح وإعداد التشريعات والسياسات والمعايير اللازمة لتعزيز الأمن السيبراني لكافة القطاعات المستهدفة في الدولة ورفعها لمجلس الوزراء للاعتماد ومتابعة تنفيذها بالتنسيق مع الجهات المعنية ؛ وهو اعتماد وإنشاء ذكي ومهم وداعم ومعزز للاستفادة من استخدامات الذكاء الاصطناعي في تحديات الأمن السيبراني.
للاقتباس:
(1) إبراهيم حمد الهنائي، محمد الأمين البشرى وعادل عبدالله حميد، البيانات الكبيرة وحوكمتها، دبي: مركز دعم اتخاذ القرار، 2015
(2) Bart R. McDonough. Cyber Smart: Five habits to protect your family, money and identity from Cyber Criminals. Indiana: John Wiley & Sons. 2019
(3) Wilson Bautista. Practical Intelligence: How action-based Intelligence can be an effective response to incidents. London: Pact Publishing, 2018
(4) Zach Webber. Cyber security. Lexington, KY.2019
(5) William Stallings, “Comprehensive Internet E mail Security” Internet Protocol Journal. November 2016
(6) د.جاسم حاجي - رئيس المجموعة العالمية للذكاء الاصطناعي - الأحد 26 أبريل 2020 - جريدة أخبار الخليج البحرينية.
التعليقات