أفضل دوما قراءة مقدمة آى كتاب باهتمام شديد فمن خلالها أعرف كواليس عملية الكتابة فى حد ذاتها؛ وهى من الأهمية بمكان؛ فمعرفة الحالة المزاجية ووقت الكتابة يعد عاملا هاما فى التواصل مع مايقدمه الكاتب؛ وهذا مافعلته مع كتاب أوباما الأخير "الأرض الموعودة"؛ ففى البداية يؤكد أوباما أنه بدأ بكتابة هذا الكتاب بعد فترة وجيزة من انتهاء فترة رئاسته؛ وبالتحديد عندما صعد مع زوجته ميشيل إلى طائرة الرئاسة للمرة الأخيرة وسافرا غربًا من أجل استراحة طويلة كانت مؤجلة.
يصف أوباما احساسه على الطائرة بالمرارة التى سيطرت على كليهما؛ حيث استنزاف جسديًا وعاطفيًا، ليس فقط من خلال أعمال الثمانية السابقة ولكن من خلال النتائج غير المتوقعة للانتخابات؛ ويقصد بها بالطبع أنتخابات 2016 ويبدو أنه يرمى ببعض اللوم على هيلارى كلينتون ولكن بالتلميح دون التصريح ؛الى جانب عدم أقتناعه بدونالد ترامب ؛وربما يفسر هذا دعمه الشديد لجو بايدن فى أنتخابات 2020؛ والذى كان أحد أهم أسباب فوز بايدن فى الانتخابات.
وأوباما يرى أنه ترك أمريكا في حالة أفضل مما كانت عليه عندما تولاها ؛ وأنه فعل أقصى جهده لتحقيق مشاريعه؛ وهو راضى عما فعله حتى ولو أخفق فى بعضها.
أوباما يصف التحاولات التى حدثت بعد تركه الرئاسة ؛والتى خرجت عن عاداته اليومية هو وزوجته أثناء الرئاسة ؛ فقد نام متأخرًا ، وتناول العشاء على مهل ، وذهب في نزهات طويلة، وسبح في المحيط ؛وتلك الأشياء كانت بمثابة مخزون إيجابي، جددا من صداقته هو وميشيل، واكتشف حبهما، وخططا للأيام القادمة برضاء نفس؛ وتفهم لطبيعة المرحلة.
ويقول أوباما: "كنت جاهزًا للعودة إلى العمل والجلوس للكتابة وأنا أعشق الكتابة بالقلم؛ ووضعت مخطوطا للكتاب؛ الذى في رأسي".
ويضيف: "أولاً وقبل كل شيء، كنت آمل أن أقدم عرضًا صادقًا للزمن الذى توليت فيه المنصب؛ وليس مجرد سجل تاريخي للأحداث الرئيسية التي حدثت في ذلك الوقت؛ والشخصيات المهمة التي تفاعلت معها مع سرد لبعض التيارات السياسية والاقتصادية والثقافية المتداخلة فيما بينها ؛والتي ساعدت في تحديد التحديات التي واجهتها إدارتي والاختيارات التي اتخذتها أنا وفريقي ؛كنت أرغب في سحب الستارة قليلاً ليبدو الأمر أكثر وضوحا؛ وتذكير الناس بأن الرئاسة، رغم كل قوتها وتأثيرها ، ما زالت مجرد وظيفة والحكومة الفيدرالية الأمريكية ليست إلا مؤسسة بشرية مثل أي شركة أخرى ، والرجال والنساء اللائي يعملن في البيت الأبيض يواجهن نفس المزيج اليومي من الرضا وخيبة الأمل والاحتكاك المكتبي والخداع والانتصارات الصغيرة مثل بقية الشعب الأمريكى.
ويستكمل أفكاره فى المقدمة قائلا: أردت أن أحكي قصة شخصية ؛ قد تلهم الشباب الذين يفكرون في حياة الخدمة العامة؛ بأستعراض كيف أصبحت حياتي المهنية ؟؛ وكيف بدأت طريق السياسة باحثا عن مكان مناسب ، مستفيدا من خيوط مختلفة من تراثي المختلط ، وكيف تمكنت في النهاية من تحديد موقعى من المجتمع والغرض من حياتي.
ويضيف أوباما كنت أحسب أنني أستطيع فعل كل ذلك ربما في خمسمائة صفحة؛ وكنت أتوقع أنجازه في عام؛ ولكن عملية الكتابة لم تسر تمامًا كما خططت؛ واستمر الكتاب في النمو من حيث الطول وتشعب الأحداث والحكايات؛ ولذلك السبب قررت في النهاية تقسيمها إلى مجلدين؛ وربما يكون هذا عيبا فى فأنا لا أجيد فن الأيجاز ؛لأصف المراحل المبكرة من حملتي ، أو طريقة تعامل إدارتي مع الأزمة المالية ، أو المفاوضات مع الروس بشأن الحد من الأسلحة النووية ، أوالقوى التي أدت إلى الربيع العربي.
ورغم كره أوباما للهوامش والتعليقات الختامية؛ ولكنه فى هذا الكتاب أضطر الى ركام من البيانات الاقتصادية أو استدعاء العديد من التفاصيل كزيارة إلى مستشفى عسكري ، أو درس فى الطفولة تلقاه قبل سنوات من والدته. وحكايات دخان المساء وهو وفريق عمله يضحكون؛ أثناء لعب الورق على متن الطائرة خلال السنوات الثماني التي قضيتها في البيت الأبيض.
ويدهشنا أوباما عندما يقول: ما لم أتوقعه بالكامل هو الطريقة التي ستتكشف بها الأحداث خلال الثلاث سنوات ونصف بعد تلك الرحلة الأخيرة في طائرة الرئاسة.
وما أسفرت عنه الأيام فى ظل الجائحة والأزمة الاقتصادية المصاحبة لها ، وأكثر من 178000من الأمريكيين ماتوا، وأغلقت الشركات أبوابها ، وشرد الملايين من الناس بلا عمل؛ بجانب مقتل رجال ونساء سود غير مسلحين على يد الشرطة؛ وكأن أوباما فى تلك السطور من مقدمة كتابه يقدم شبه منشور سياسى ضد دونالد ترامب ؛ ومازال فى مقدمة الكتاب مايقال ولكن ربما نفهمه أكثر مع قراءة الكتاب.
التعليقات