منذ يومين قررت حضور محاضرة عن الصوفية للعزيزة المتألقة الكاتبة الجميلة دكتورة ريم بسيوني.
كنت أتوق بشدة للحضور أولا لأن الدكتورة ريم حافظة للتاريخ وحكاءة بارعة، وثانيًا لأن أي حديث يقربني من الله يجعلني سعيدة.
المحاضرة كانت في "بيت السناري" في حي السيدة زينب في مصر القديمة.
أول ما تحركنا بالسيارة زوجي وأنا، بدأت زخات خفيفة من الأمطار تهطل علينا.
سعدت بشدة وبدأت في الدعاء لكل من أحب. ثم بدأت الأمطار الغزيرة تهطل بشدة، ما استدعى لذاكرتي نوات الشتاء في مدينتي الإسكندرية الجميلة.
ما هي إلا لحظات إلا وكانت آية الله
"ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" حاضرة بقوة.
طبعًا تأخرنا كثيرًا لتجمع مياه الأمطار في كل مكان وبطء حركة سير السيارات وتوقف بعضها وغرقها في منتصف الطريق.
هذه الأجواء لا تصيبني سوى بالسعادة والراحة وأمن الانتماء، فأنا بنت الإسكندرية، عاشقة البحر والشتاء بأمطاره ونواته.
وصلنا بعد تأخر ساعة وتركنا السيارة وبدأنا الرحلة على قدمينا تحت الشتاء الغزير و"مزاريب" أسطح المنازل تُسقِط المياة فوق رؤوسنا بغزارة كشلالات نياجرا، حتى ابتلت ملابسنا بالكامل.
وأخيرا وصلنا!!
فوجئنا بأن المدخل تجمعت فيه مياه الأمطار بارتفاع كبير، وحال ذلك دون دخولنا إلى المكان تمامُا، صَرَفَنا القائم على المكان معتذرًا باستحالة الدخول من أي مكان. لم أكن أدري كيف ستخرج المجموعة التي بالداخل.
عند سماعي للمحاضرة من الخارج على بعد خطوات من الحضور، أدركت في تلك اللحظة أن كل شئ نصيب، وأن وصولك للمكان الذي تبتغي زيارته لا يعني أبدًا تمكنك من الدخول، وأن الله لابد له حكمة في ذلك، وأن الرضا بكل أقداره سبحانه وتعالى هو مدخلنا لكل الخير.
انصرفنا وقلت لزوجي أن لابد أن هناك من الأحبة من احتاج دعوتي وقد يكون ذلك هو الهدف من الخروج في هذا اليوم.
ثم خطرت ببالي فكرة، لما لا نذهب لأحد المطاعم في هذه المنطقة ونأخذ وجبة العشاء؟
كان زوجي يعرف مسمط في المكان، ولم أكن قد تناولت طعام المسمط من قبل فقلت سآخذ كباب وكفتة احترامًا لمعدتي المُهتَرِئة.
وجاءت "المنيو" فلم أجد مشاوي بها كان معظم الطعام ( كوارع ومخ وعكاوي…) إلى آخر قائمة الطعام التي ستسرع بي إلى المستشفى أو للدار الآخرة.
طلبنا الطلبات وهرعت إلى الصيدلية لأبتاع جرعة مكثفة من أدوية المعدة التي لم تكن بحوزتي.
وجاء الطعام وكان كله يسبح في السمن والدهون ومُطَعَم بالشطة وقرون الفلفل الحرّاق بل الملتهب.
يبدو أن أيامي في الحياة أصبحت معدودة، ويجب عليّ أن أترك وصيتي قبل تناول الطعام.
كان لابد كذلك أن اتصل بالمطافي لتشرف على وجبة الطعام تلك بعد أن تحولت وجوهنا للون الأحمر وبدأ أنفي يسيل ومعدتي تحترق.
تخيل معي يا صديقي إنك تجلس في مسمط في منطقة شعبية بالملابس الرسمية، وتجفف طعامك من السمن بمناديل ورقية وتجتهد في تناول الطعام بالشوكة ساعيًا ألا تتسخ يداك وملابسك.
لقد كانت تلك اللحظات أصعب من معرفتي أني حرمت من دخول المحاضرة.
تمت المهمة بنجاح، انتهينا من تناول الطعام وخرجت وأنا أشعر أن هناك خروف متعلق بملابسي وتلك الرائحة كفيلة بأن تقتلني.
أُحب الأحياء الشعبية بشدة وأُحب قضاء أوقات طويلة وسط ناسها الطيبين، ووسط عبق التاريخ والمباني القديمة والبنايات الأثرية.
ولكن لا أدري أين كان عقلي وأي شيطان لعين تملكني وأنا أطلب تلك النوعية من الطعام التي لم أحبها أو أعرفها أبدًا.
كل ما أتمناه أن تبقى معدتي قطعة واحدة وأن تسامحني على ما فرطت في حقها وأن تعلم أن الله غفور رحيم.
أما عن زوجي فقد كان مستمتعًا بشدة وخاض التجربة بقوة وسعادة بالغة، ومن أجل ذلك خَلَق الله الرجال!
لم أحضر المحاضرة ولم آكل الوجبة بشهية، لكني استمتعت باليوم بشدة وكانت تجربة فريدة لن أنساها أبدُا.
أنت مطالب بالعيش بالمتاح وأن تشعر من خلاله بكامل السعادة.
يتأكد لي كل يوم أن سعادتنا خلقت بداخلنا، وأن شعورك بها مرهون باستمرارك في البحث عنها وخلقها في روحك ومزجها بساعاتك وأيامك، ثم الإصرار على البقاء من خلالها.
أنا أحيا فأنا سعيد.
التعليقات