يقال أن اليابان دولة حضرية، أي أن معظم مناطقها أصبحت مدن أو تتوفر فيها مظاهر التحضر. فالمدن الكبيرة امتدت أفقياً لتشمل ضواحيها وأريافها بالخدمات. وأصبحت الحياة ممكنة في أي مكان بفضل سهولة السفر والتحرك من مواقع السكن إلى مواقع العمل. الخدمات الضرورية كالصحة ، التعليم ، الماء ، الكهرباء ، وسائل الراحة والترفيه من مطاعم وفنادق وملاعب ومراكز تجارية تجدها في كل مكان في اليابان بذات الجودة وذات الخصائص. ويمكن للمرء أن يحصل على كل ما يحتاج إليه أينما كان ، ووقتما شاء. وعليه ليس من السهل حصر عدد المدن اليابانية ، ولكن يمكننا أن نحصر عشرة مدن يابانية هي الأكثر شهرة بمكانتها الاقتصادية والسياسية وكثافة سكانها وامتداداتها الأفقية والرأسية وتلك المدن هي:
• طوكيو (11.7) مليون نسمة.
• يوكوهاما (3.4) مليون نسمة.
• أوساكا (2.6) مليون نسمة.
• ناقويا (2.3) مليون نسمة.
• سابورو (1.8) مليون نسمة.
• كوبي (1.5) مليون نسمة.
• كيوتو (1.5) مليون نسمة.
• فوكوكا (1.3) مليون نسمة.
• كاواساكي (1.2) مليون نسمة.
• هيروشيما (1,1) مليون نسمة.
في كل مدينة من هذه المدن أشياء عديدة ومعالم بارزة تتميز بها المدن عن بعضها البعض. هنالك مدن تتميز بهدوئها ومعالمها التاريخية القديمة مثل كيوتو ، وهنالك مدن حركة التنمية والنشاط الاقتصادي فيها يسابق الزمن مثل مدينة أوساكا التي يقال عنها (الكل يجري في أوساكا).
وهنالك المدن الساحلية التي تميزها معالم الموانئ مثل "كوبي" و "يوكوهاما". ونكتفي هنا بالحديث عن العاصمة طوكيو كنموذج يجمع الكثير من خصائص ومعالم المدن اليابانية.
طــوكـيو:
"طوكيو تو" عاصمة الإمبراطورية اليابانية ، عاصمة الجودة الصناعية ، السيارات والإلكترونيات ، الأنوار المتلألئة ، الأرقام الدقيقة ، ساعات العمل الصامتة ، الأمسيات الصاخبة ، الحياة المرنة ، الرفاهيات المبالغة ، القطارات المتشابكة ، العمارات الشاهقة والضاربة في أعماق الأرض ، الكراوكي وزهرة الساكورا ، احترام الإنسان والجهد والوقت ، كل ذلك وغيرها مقالات يخرج بها الزائر للعاصمة اليابانية. وفوق ذلك "طوكيو تو" تذكر الإنسان دائماً بقدرة الخالق عز وجل، عندما تهتز الأرض من تحتها أو تسمع فيها عن هزة أرضية ضربت مدينة أخرى مثلها من المدن اليابانية الكثيرة ، إذ تشكل أخبار الهزات الأرضية والزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى جزءاً من النشرات الأخبارية التي تبثها وسائل الإعلام. ولا تمر ساعة في اليابان إلا وقد ضربت إحدى مناطقها بهزة أرضية يشعر بها الإنسان. ويقول العلماء أن الهزات الأرضية البسيطة - التي ترصدها الأجهزة العلمية ولا يشعر بها الإنسان - متواصلة لا تنقطع. في محافظة طوكيو وهي من أقل المحافظات تعرضاً للهزات الأرضية تسجل سنوياً ما بين (30) و (50) هزة أرضية يشعر بها الإنسان وما بين (120) و (300) هزة أرضية لا يشعر بها الإنسان إلا أنها مرصودة بأجهزة الوقاية الخاصة.
"طوكيو تو" ، هي محافظة طوكيو ، وتعني في اللغة اليابانية عاصمة الشرق أي شرق اليابان، وهي العاصمة التي أنشأها إمبراطور اليابان "أياسو توكوقاوا" في القرن السابع عشر بعد توحيد الإمبراطورية اليابانية. ونقل إليها القصر الإمبراطوري من العاصمة القديمة "كيوتو" ، والتي تعني في اللغة اليابانية محافظة العاصمة. يلاحظ في اللغة اليابانية أن "تو" من توكيو تعني الشرق ، بينما "تو" من "كيوتو" تعني محافظة ، والفارق يتبينه القارئ من شكل الحروف اليابانية بينما لا يتبينه المستمع إلا من خلال المهن. ونقول "توكيو" هنا لأن ذلك هو النطق الصحيح لاسم العاصمة اليابانية. ولا أعلم لماذا يطلق عليها في اللغة العربية "طوكيو".
"طوكيو" مدينة أشبه بالدولة فهي في مساحتها أكبر من بعض الدول. ولها مؤسساتها التشريعية والتنفيذية ومجالسها المحلية وعائداتها الضريبية واستثماراتها التي توازي استثمارات الحكومة المركزية. ويشهد على مكانتها مقر عمدتها أو مقر حكومتها الذي يعلو على مقر الحكومة القومية شكلاً وموقعاً. طوكيو محافظة متجددة دوماً ، الذي يغيب عنها طويلاً يصعب عليه التعرف على مداخلها ومخارجها. حركة التغير المعماري هي الظاهرة المستمرة. مع النمو السكاني والتطور الاقتصادي ترتفع أسعار الأراضي بسرعة جنونية كنا نسمع قبل عشرة أعوام - أثناء دراستنا في اليابان- نوادر تقول أن التراب في جنزا - المركز التجاري أو قلب طوكيو - أغلى من الخبز. وقد أصبحت تلك النوادر الآن حقيقة، إذ أن قطعة الأرض بمساحة الخبز العربي الصغير من "جنزا" تبلغ قيمتها الملايين من الينَّات اليابانية. والنتيجة كانت حركة هدم المباني القديمة والتوسع فيها علواً وعمقاً وبصفة مستمرة. وكانت النتيجة اللجوء إلى المجمعات السكنية الضخمة حول العاصمة القديمة بعد توفر تقنيات تشييد المباني المضادة للزلازل حتى الدرجة (7) بمقياس رختر، تلك الدرجة التي سببت كوارث زلازل كانتو الشهير الذي ضرب طوكيو ويوكوهاما عام 1923 ، وما زالت خسائرها عالقة بالأذهان. وكانت النتيجة أيضاً ، تطور حركة المواصلات وانتظامها وحسن انسيابها ، حتى أصبح من الممكن أن يسكن الإنسان في أي مكان داخل محافظة طوكيو ، ويعمل في الركن الآخر من المحافظة. فالقطارات السريعة والسريعة جداً ، والسريعة جداً جداً تطوي المسافات الطويلة وتسقط أعذار التأخر لدى العاملين.
وهكذا تقف العاصمة اليابانية على مفترق الطرق بين الحضارة القديمة المحافظة على التراث ومتطلبات التحديث. فالمباني الخشبية القديمة ذات الهندسة المعروفة منذ أقدم العصور بدأت تتلاشى لتقوم مكانها العمارات ذات المساحات الصغيرة، إلا أنها تمتد لطوابق باطن الأرض مثلما تمتد فوقها وتختفي المنازل ذات الأرضيات المكسورة "بالتتامي" والـ "فوتون" لتحل محلها الأرضيات المسلحة والسرائر وكراسي الجلوس. كل ذلك نقلة لا يطيقها كبار السن من اليابانيين الذين ألفوا حياة الأرض (التتامي) فالجلوس والنوم وتناول الطعام. لا شك أن الحياة أصبحت أكثر طمأنينة.
تبلغ مساحة طوكيو تو (2186.7) من الكيلومترات المربعة ، أي (107223) هكتاراً ، منها (4400) هكتاراً للمراكز التجارية و (44180) هكتاراً للمناطق السكنية و (4700) هكتاراً للمناطق الصناعية. تنقسم هذه المساحة إلى (23) مدينة خاصة تعرف بـ "KU" هي قلب العاصمة. وحولها (30) مدينة "شي Shi"، وتسعة جزر. تطل "طوكيو تو" على خليج طوكيو وتحدها من الجهات اليابسة محافظات "شيبا" ، "كاناقاوا" ، "ياماناشي" و "سايتما" التي توجد فيها مطار ناريتا الدولي المعروف أيضاً باسم مطار طوكيو الجديد. كما توجد فيها "ديزني لاند" والمعروف باسم "طوكيو ديزني لاند". وهكذا نجد طوكيو تمتد نحو محافظة "سايتما" وتأخذ بعض منشآتها بالاسم قبل أن تزحف عليها بسكانها وحدودها السياسية ، خاصة بعد أن تم ربط محافظة طوكيو بالمحافظات المجاورة ربطاً محكماً ودقيقاً بشبكة من القطارات.
وفقاً لإحصاءات ديسمبر 2007 ، يبلغ عدد سكان طوكيو تو (11.7) مليون نسمة ، منها (5791000) من الذكور و (5795000) من الإناث ، بعد أن كان عدد السكان في أوائل التسعينات (11.9) مليوناً. ويعود الانخفاض إلى نزوح السكان من العاصمة إلى المحافظات المجاورة أو إلى محافظاتهم الأصلية التي توفرت فيها فرص للعمل وأنماط الحياة الحضرية ، للأرقام أهمية خاصة في لغة المدينة وأسلوب اليابانيين كافة. الكل يتحدث بالأرقام. عدد السكان في كل مدينة، المواليد والوفيات ، الفئات العمرية للسكان ، معدلات النمو ، ميزان المدفوعات ، التبادل التجاري وأسعار الأسهم ، كل ذلك أرقام محفوظة يتحدث بها عامة الناس.
للأرقام في اليابان مراجع رسمية تصدرها الحكومة على المستوى القومي، كما تصدرها حكومات المحافظات على المستويات المحلية. ويتم توزيع تلك المراجع بأسعار رمزية على المواطنين ، مع حوافز تشجيعية تدفعهم على القراءة والاستيعاب. من أشهر تلك المراجع وأكثرها دقة الكتاب الإحصائي السنوي الذي تصدره حكومة محافظة طوكيو. يقدم هذا الكتاب الذي يصدر سنوياً في (600) صفحة أرقاماً متكاملة لكل شيء في محافظة طوكيو. ولا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وقد أحصاها عددا ، ورصدها بالأعوام ، مصنفة بالمراكز والمدن والقرى والمساكن والأسر والأفراد. يرصد الكتاب السنوي الأرض والمناخ والمياه والكهرباء والغاز ، الإنتاج والاستهلاك ، الصناعة والزراعة ، التعليم والصحة ، المواليد والوفيات. الصادرات والواردات ، المحلات التجارية والمخازن ، العاملين فيها وساعات عملهم ، حركة السفن والطائرات والقطارات ، حتى كميات المياه والورق المستخدمة في دورات المياه. نقتبس هنا بعضاً من الأرقام الواردة في الكتاب السنوي لمحافظة طوكيو لعام 2000 لعلها تعين القارئ في التعرف على حجم محافظة طوكيو:
• تشكل مساحة طوكيو (0.6%) من مساحة اليابان ويقطنها (10%) من سكان اليابان.
• يبلغ طول الطرق البرية المعبدة في اليابان (1136600) كيلومتراً منها (2%) في محافظة طوكيو.
• توجد في محافظة طوكيو (4980) مؤسسة تعليمية منها (1465) مدرسة ابتدائية، (865) مدرسة متوسطة ، (464) مدرسة ثانوية و (107) جامعة و (65) مدرسة للمعوقين.
• في طوكيو (721) مستشفى و (10978) عيادة عامة و (8582) عيادة أسنان ويعمل في هذا المجال (43) ألف طبيباً و (73) ألف ممرضاً ، أي طبيب مقابل كل (272) شخصاً.
• في طوكيو (242) متحفاً و (367) مكتبة عامة تحتوي على (2.5) مليون عنواناً، و (200) دار سينما و (83) مسرحاً و (9) ألف دار لألعاب التسلية (Pachinko and Games).
• لا تعد محافظة طوكيو مركزاً صناعياً كبيراً مقارنة مع المحافظات الأخرى ومع ذلك توجد فيها (67) ألف مصنعاً تستهلك من المواد الخام سنوياً ما قيمته مائة مليار دولاراً من المواد الخام وتبلغ قيمة صادراتها السنوية (200) مليار دولاراً.
• يبلغ عدد البنوك التجارية في محافظة طوكيو (3240) بنكاً ، بعد عمليات الدمج الأخيرة التي أفرزت أحد أكبر بنوك العالم.
• تستهلك مدينة طوكيو (504) مليون كيلو واط من الكهرباء في العام منها (240) مليون كيلو واط في الإضاءة.
• يبلغ عدد السيارات المرخصة في اليابان (68) مليوناً، منها (6.7%) في طوكيو تو.
• تبلغ قيمة الصادرات اليابانية السنوية (2500) مليون دولاراً نصيب محافظة طوكيو منها (30%).
حقيقة الغلاء في العاصمة اليابانية:
منذ عام 1985 بدأ الأجانب الذين يزورون العاصمة اليابانية يشكون من الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة ، إلا القلة من الطلاب والمتدربين الذين يزورون اليابان على نفقة الحكومة اليابانية. وعلى العكس بدأ اليابانيون منذ عام 1985 أكثر انفتاحاً على العالم الخارجي وكثفوا رحلاتهم إلى خارج اليابان بقصد السياحة والاستثمار. ويعزي ذلك لعاملين:
الأول: الارتفاع المفاجئ الذي طرأ على قيمة الين الياباني مقابل الدولار - السياسة التي خطط لها ونفذها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريقان بالاتفاق مع الحكومة اليابانية. بهدف التحكم على صادرات اليابان إلى الولايات المتحدة ، وتشجيع السلع الأمريكية المصدرة إلى اليابان.
الثاني: تعد طوكيو الصغيرة ، أي محطة طوكيو القديمة وما حولها من مدن "جنزا"، "شمباشي"، "يوراكشو" و "أوتي ماجي" و "أكاساكا" وحدائق القصر الإمبراطوري هي الأكثر غلاءً في العالم ، بفنادقها ومطاعمها ومحلاتها التجارية الفاخرة. وهي المنطقة التي يتجه إليها الزائر الذي لا يعرف "طوكيو تو" بمدنها المتنوعة والمتخصصة في مختلف ضروب الحياة. وعلى الزائر للعاصمة اليابانية أن يحدد مسبقاً أهداف رحلته ونمط الحياة التي يرغب أن يعيشها ، قبل أن يحدد المدينة التي يتجه لها داخل العاصمة اليابانية "طوكيو تو" ذات الأطراف المترامية. هنالك مدن للتجارة ، ومدن للسياسة وأخرى للراحة والاستجمام. وهنالك مدن للشباب ومدن للمرأة ومدن لهواة الرياضة ومدن ليلها كنهارها.
مدخل الزائر للعاصمة اليابانية هو مطار "ناريتا" الدولي الذي يقع في محافظة "سايتما". ويبعد المطار عن قلب العاصمة حوالي ساعتين بالسيارة الليموزين التي تصل ما بين مطار "ناريتا" وجميع فنادق الدرجة الأولى الممتازة بالعاصمة اليابانية مقابل ما يعادل حوالي (25) دولاراً أمريكياً. ويقطع القطار السريع المعروف بـ"إسكاي لاين" Sky Line تلك المسافة في ساعة واحدة، وهنالك قطار ناريتا السريع الذي يربط بين "ناريتا" ومحطة طوكيو ومحطة "سنجكو" و "أووينو" مراكز الثقل السكاني والتجاري والسياسي في وسط العاصمة اليابانية "طوكيو تو". ويربط بين هذه المحطات الثلاثة أشهر خطوط القطارات في الشرق الأقصى المعروف بخط "يامانوتي" أي "يد الجبل" وكان جزءاً من خطوط السكك الحديدية اليابانية الحكومية التي تم تخصيصها عام 1988. تدور قطارات خط "يامانوتي" في شكل دائري حول المدن الرئيسة البالغ عددها الـ (23) مدينة ، والتي تشكل وسط "طوكيو تو". تنقل هذه القطارات يومياً حوالي (8) مليون شخصاً. وفي ساعات الذروة تظهر تلك القطارات وكأنها قطاراً واحداً يدور حول المنطقة الوسطى في طوكيو ، ولا يفصل بين كل قطار وآخر سوى (30) ثانية ، وهي المدة التي ينتظرها كل قطار في كل من المحطات الـ (30) التي يمر عليها خط "يامانوتي" الدائري.
ومن تلك المحطات تنطلق أنواع أخرى من القطارات إلى داخل الدائرة أو خارجها لربط وسط المدينة بأطرافها ولربط المدينة بالمدن اليابانية الأخرى ومن تلك القطارات:
أولاً: شبكة القطارات تحت الأرض التي تتجه إلى وسط المدينة وأشهرها خط "جنزا" ذات اللون البرتقالي ، وخط "ماريونوشي" ذات اللون الأحمر، وخط "هيبيا" ذات اللون الرصاصي وخط"شيودا" ذات الحزام الأخضر.
تتميز قطارات الأنفاق أو المترو اليابانية بنظافتها ودقتها ونظم الأمن والسلامة المتوفرة فيها ، مقارنة مع قطارات الأنفاق في الدول الصناعية الأخرى. وتتميز محطات الأنفاق وممراتها الطويلة باتساعها، وجمالها ونظافتها، ومعارضها التجارية ، ومطاعمها الفاخرة، ومنافعها الأخرى المهيأة لاستقبال جميع الأعداد الهائلة التي تسافر يومياً. ومحطات الإنفاق تتسم بالعمق، حتى تجد بعضها تمتد لأكثر من طابق داخل الأرض، وقد زودت بالمصاعد الإلكترونية والمخارج الممغنطة ذاتية الحركة. وهي معدة بالضرورة كمخابئ أو ملاجئ تكفي لإيواء سكان المدينة في حالات الكوارث والحروب.
ثانياً: القطارات التي تجري إلى خارج دائرة طوكيو ولمسافة تزيد عن (200) كيلو متراً في جميع الاتجاهات لربط وسط "طوكيو تو" بمدنها الـ (30) المنتشرة حولها. ومن تلك المدن نخص بالذكر مدينة "هاجيوجي" المشهورة بالجامعات ومجمعات الطلاب السكنية إذ توجد فيها (23) جامعة و (8) كليات متخصصة ، ومدينة "كجيوجي" ومدينة "تاما" السياحية وملاعب وملاهي "يوميوري" ، وغيرها من المدن التي توجد فيها مجمعات سكنية وشعبية وفلل وفنادق الدرجة الأولى والأسواق والمراكز التجارية الحديثة ، وكل ذلك بأسعار تقل عن أسعار وسط المدينة بأكثر من (70%) أحياناً.
ثالثاً: القطارات السريعة جداً المعروفة "بـ شنكان سن" التي تربط العاصمة اليابانية بالمحافظات الأخرى ، مثل "هوكايدو" في أقصى الشمال و "هيروشيما" في أقصى الجنوب. وتشتهر قطارات "شنكان سن" بدقة توقيتها وسرعتها الفائقة وجمال شكلها وقدرتها على التعامل آلياً مع الحالات الطارئة وخاصة الزلازل. وتجدر الإشارة هنا أن قطارات العاصمة اليابانية وحدها تنقل في العام (3.2) مليار راكباً يدفعون أكثر من (10) مليارات دولار في العام.
للغلاء في "طوكيو تو" أماكنها وللرخاء أماكنها ، وسيان للزائر أو المقيم أن يعيش في أي ركن من أركان العاصمة الكبيرة. ورغم الأزمة الاقتصادية التي ضربت بعض الدول الآسيوية لم يشعر الفرد العادي في طوكيو بالخوف والذعر الذي أصاب غيرهم في جاكارتا أو بانكوك أو كوالالمبور أو سيول علماً بأن اقتصاد تلك الدول تشكل خط الدفاع الأول للاقتصاد الياباني، وللمصانع اليابانية بفروعها المنتشرة في تلك الدول. ويعزى ذلك إلى أسباب ثلاثة:
السبب الأول: منذ أوائل الثمانينات ظلت الشركات اليابانية وبيوت الخبرة الاقتصادية وأساتذة الجامعات يشكون بشدة من ركود اقتصادي ، وأزمات مالية وهمية تعيشها البلاد ، الشيء الذي جعل المواطن العادي مهيئاً للأزمة والصعوبات الاقتصادية - من الناحية النفسية - كما أنه أعد العدة لمواجهتها بالإنتاج والادخار.
السبب الثاني: خلال العقدين الماضيين - ورغم الظروف الاقتصادية الطيبة (فعلا) عاش المواطنون في تقشف في الغالب - لصالح حساب الادخار. وتكدست الأموال لدى الأفراد الذين أسهموا في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية بشراء الأراضي والعقارات والمؤسسات من الجهات التي أفلست. وبعد أن آلت العقارات المرهونة إلى البنوك تمكن صغار الموظفين وصغار رجال الأعمال من شراء تلك العقارات بدلاً من إتاحة الفرصة لرؤوس الأموال الأجنبية أو قروض البنوك الدولية.
السبب الثالث: الضرائب العالية التي تفرضها الدولة على الدخل والإنتاج وفرت مالاً عاماً في يد الدولة تتدخل بها الآن لمواجهة التداعيات. إذاً الادخار الفردي والعام كانا طوق النجاة للاقتصاد الياباني في هذه المرحلة ، كما أشرنا من قبل.
الجديد في معالم طوكيو:
للعاصمة اليابانية معالم جميلة كثيرة ينبغي للزائر أن يقف عليها ؛ حدائق القصر الإمبراطوري في قلب المدينة القديمة تُدهشك بالأشجار الجميلة والزهور المتنوعة وأشجار"الساكورا" وهي مزهرة في شهر إبريل من كل عام. والسور المائي الاصطناعي الذي يحيط بالقصر ويحميه منذ أكثر من ثلاثة قرون. معبد "أساكوسا" ، ومعبد الإمبراطور ميجي مؤسس اليابان الحديث ، الذي يتوسط حدائق "هراجكو" الكبيرة والمسبح الأولمبي حيث يجتمع الشباب يوم الأحد من كل أسبوع للغناء وتقديم الأطعمة اليابانية الشعبية. وفي ليلة رأس السنة تمتلئ هذه الميادين بأكثر من ثمانية ملايين زائر يصطفون للزحف إلى واجهة المعبد والصلاة أمام قبر الإمبراطور على طريقة ديانة "الشنتو" ويلقون ملايين "اليَّنات" على قبر الإمبراطور.
من معالم "طوكيو تو" القديمة أيضاً برج طوكيو ومســرح "الكابوكي" Kabuki الذي تقدم فيه الأغاني الراقصة القديمة التي تحكي وتصور القيم اليابانية وجذورها بطرقها التقليدية القديمة. أما المعالم الحديثة فتمثلها المباني والمراكز التجارية مثل مدينة "أكيهابارا" للأجهزة الإلكترونية و "سنجكو" وعماراتها الشاهقة وأكثرها حداثة وجمالاً مقر حكومة طوكيو المكون من (45) طابقاً والمتميز بالفن المعماري الياباني وتقنيات مقاومة الزلازل. ويُعد مبنى حكومة طوكيو قبلة الزوار والسواح منذ افتتاحه في عام 1991 إذ يستقبل المبنى (3) مليون زائراً كل عام ، في قاعاته الإرشادية المعدة بالمعلومات والصور ، والبرج العالي المطل على قلب العاصمة.
"الكيتاي" أو الهاتف الجوال ، مظهر اجتماعي جديد في مدينة طوكيو وله انعكاسات واضحة على السلوكيات العامة. "كيتاي" في اللغة اليابانية تعني "المنقول" أو "المحمول" أو الشيء الخفيف الذي يرافق الشخص. انتشر الهاتف المحمول في العاصمة اليابانية خلال الأعوام الثلاثة الماضية بصورة مفاجئة ، وسط الموظفين والطلاب والشباب والنساء. وقد انعكس ذلك بوضوح في سلوكيات اليابانيين وحدثت نقلة غير عادية في بعض العادات التي كانت مألوفة.
كان اليابانيون قبل ثلاثة أعوام يسيرون في الطرقات العامة بسرعة وفي صمت. داخل المركبات العامة والقطارات كانوا يميلون إلى النوم أو القراءة. أما الآن فقد انتهت تلك الصور التي كانت مألوفة. تجد كل إنسان يضع الهاتف في أذنه ويتحدث في الطريق العام كالمجنون، القطارات اختفت فيها ظاهرة النوم والقراءة بعد أن انشغل ركابها بالهاتف. الأصوات تعلو وتنخفض ، الابتسامات على الشفاه الضحكات التي لم تكن مألوفة من قبل أصبحت ظاهرة. تقول إحدى السيدات أنها - مع الكيتاي - أصبحت أكثر راحة وأمناً على نفسها أو زوجها وأبنائها لأنها على اتصال دائم بهم ، كما أصبحت العلاقات الاجتماعية أكثر قوة. ويقول أحد رؤساء الشركات: لقد أصبحت بفضل الهاتف المحمول أكثر قرباً من جميع الموظفين وأصبح إشرافي عليهم مباشراً.
لقد استخدم اليابانيون الهاتف المحمول استخداماً سليماً في الأعمال التجارية فالموظف يعمل في مكتبه ، وفي الطريق وفي المنزل ومن داخل القطارات والمركبات العامة. لقد أعطي الهاتف المحمول النشاط والحيوية للياباني الذي كان يطلق عليه "الروبوت" أو الحيوان الاقتصادي لحركته التي كانت جامدة ورتيبة. ويقول أحد الأساتذة إن "الكيتاي" ساعده على الإقلاع عن التدخين ، لأنه يقوم باستخدامه كلما حاول أن يتناول علبة السجاير حتى حل محل هذه السجائر تماماً ، خاصة وقد تم تزويد الهواتف المحمولة بتقنيات الإنترنت وألعاب التسلية.
ومن المظاهر الاجتماعية في طوكيو أمسياتها الحافلة والتي تبدأ بنهاية الدوام في تمام الخامسة مساءً. عندئذٍ يخرج أكثر من ثلاثة ملايين شخصاً من أماكن العمل والمدارس وينتقلون مباشرة إلى أماكن الأكل والشرب المنتشرة في كل مكان وحول محطات القطارات على وجه الخصوص ، وصالات الفنادق الفاخرة. ينتقل الموظفون معاً من مكان العمل ليواصلوا عملاً غير رسميٍ في مجالسهم الخاصة وتفوح رائحة الشواءات في سماء المدينة وتعلوا أصوات الموسيقى وأغاني "الكاراوكي" التي يشترك في أدائها الجميع، وينسى الياباني كل ضغوط العمل ومعاناة النهار (كما يقولون) ليعود إلى بيته في العاشرة مساءً في الأيام العادية، وقد تطول السهرة قليلاً في نهاية الأسبوع ، خاصة إذا كان آخر الشهر.
ومع لهو اللاهين وسعادة الأمسيات التي يعيشها البعض في المطاعم والمجالس ، يبقى قلة من الموظفين في مكاتب الشركات الكـبرى ، تعمل أو تنتظر كبار المسؤولين بالشركة أو المؤسسة ، الذين يبدءون عملهم الحقيقي بعد الخامسة. هذه القلة هي النخبة المختارة والصفوة التي تعتمد عليها الشركة ومستقبلها. وهذه الفئة تجد سعادتها في طول ساعاتها المكتبية علاوة على ملازمة الكبار أحياناً في حفلات "البانكية" الراقية التي تنظمها الشركات الكبيرة كجزء من نشاطاتها الرسمية الملتوية أحياناً. في حفلات "البانكيه" تعقد الصفقات ، وتتم تسوية المشكلات بأساليب ودية بعيداً عن الرسميات ، ومن ثم يتم اعتمادها في اليوم التالي في المكاتب الرسمية. تستخدم حفلات "البانكيه" أيضاً لأغراض العلاقات العامة والتعارف والدعاية ، كما تستخدم لفتح قنوات بين الشركات وموظفي الدولة والساسة ، علماً بأن الإنفاق على مثل هذه الحفلات يكون على حساب أرباح الشركات مما ينعكس سلباً على الضرائب التي تدفعها الشركات.
التعليقات