السياحة مدخل من مداخل التعلم والتعارف بين الشعوب ووسيلة من وسائل التبادل الثقافي والمعرفي. ورغم حب العرب للسياحة وشغفهم بالأسفار ، اقتصرت حركتهم السياحية خلال النصف الثاني من القرن العشرين على دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة. وربما كان ذلك لحاجتهم إلى مناطق باردة تخفف عنهم وطأة حرارة الصيف التي تعم معظم الدول العربية. أو ربما كان ذلك عائداً إلى عدم معرفتهم بفرص السياحة المتوفرة في بلدان آسيا والشرق الأقصى. لقد بدأت حركة السياحة العربية تتجه مؤخراً نحو آسيا وأستراليا ، ولكن مازالت تلك الحركة بعيدة عن بلدان الشرق الأقصى كالصين وكوريا واليابان.
تعتبر السياحة والترفيه من أهم الأنشطة الاجتماعية لدى اليابانيين ، كما أنها من أكثر الموارد الحيوية للدخل القومي ، إذ يٌقدر حجمها بـ (16.1) مليون سائحاً يدفعون حوالي (4.3) تريليون ين في العام. رغم انشغال اليابانيين بتطوير وتحديث الصناعات المختلفة ، إلا أنهم لم يهملوا صناعة السياحة والترفيه. بدأ اليابانيون الاستثمار في السياحة قبل أكثر من قرن ببناء المدن وتطوير المناطق السياحية وتهيئة البنيات التحتية اللازمة. وقد ساعدهم على ذلك توفر مقومات السياحة الأساسية كالجبال والبحار والغابات والجبال البركانية والشواطئ وآلاف الجزر بجانب الآثار القديمة ومخلفات الحروب الطويلة التي خاضها اليابانيون. وقد سخر اليابانيون إمكاناتهم الفنية والتقنيات الحديثة لدعم المنشآت السياحية وتهيئة مدنها وبيئتها بمختلف وسائل الراحة والمتعة.
السائح في اليابان لا يحتاج إلى قائد أو مرشد لوضوح مسارات السياحة وتوفر برامجها وخرائطها وأنظمتها الدقيقة. فالحركة السياحية تنساب في مختلف اتجاهاتها بتوقيت دقيق ، تتحكم فيه وسائل المواصلات السريعة التي لا تخطئ ولا تخرج عن التزاماتها. فالقطارات السريعة والحافلات والبواخر المبرمجة للسياحة تساعد السائح على تحقيق أهدافه كيف يشاء. ينفق اليابانيون الكثير على السياحة ، إذ توجد في اليابان مناطق سياحية عديدة ومتنوعة تثير الدهشة والإعجاب بطبيعتها الخلابة وجمال غاباتها المختلفة الأشجار وأنهارها الجارية وبحيراتها الكثيرة. فالجزر اليابانية الممتدة طولاً من الشمال إلى الجنوب لمسافة تزيد عن (3300) كيلو متر توفر تنوعاً مناخياً خاصاً ينعكس على ألوان أشجارها ووديانها وشواطئها. وتعد الخدمات السياحية الراقية التي يجدها المسافر أينما اتجه هي الخاصية التي تتميز بها السياحة اليابانية عن غيرها من الدول. فالأمن والسلامة والطمأنينة هي ظاهرة تلفت الأنظار.
من أشهر الأماكن السياحية في اليابان: حقول هوكايدو في أقصى الشمال بسهولها المخضرة أبداً وشواطئها الهادئة ومطاعمها التقليدية التي تذوق فيها طعم المأكولات الطبيعية ، وتشتم فيها رائحة الخضر والفواكه واللحوم وأسماك السالمون الطازجة والألبان. وهوكايدو منطقة زراعية عريقة وأهلها يتميزون بالطيبة والكرم والشهامة والقوة البدنية ومن بينهم رياضيون اشتهروا في ألعاب القوة التقليدية كالسومو والجودو وغيرها. وإذا اتجهت جنوباً قاصداً هيروشيما التي تستغرق رحلتها بالقطار السريع جداً "شنكان سن" حوالي الخمس ساعات. وأنت في مسارك هذا يمكنك أن تمر بمدينة ناقويا التي تضم مدينة تايوتا الشهيرة بشركة سيارات تايوتا وأوساكا ثالث المدن اليابانية حجماً وثانيها كثافة بعد العاصمة طوكيو ويوكوهاما ، وتشتهر أوساكا بجانب الصناعة بلياليها وحاناتها وصخبها. وبجوارها مينا كوبي القديمة والتي أعيد بناؤها بعد زلزال عام 1994. وكوبي فوق أنها مدينة تجارية عريقة هي أيضاً عاصمة أكبر عصابات الياكوذا الذين يسيطرون على صناعة الترفيه وصالات الألعاب. ونشاهد أيضاً في الطريق مدينة كيوتو العاصمة اليابانية القديمة الهادئة التي تضم آلاف المعابد القديمة خاصة في منطقة "نارا" التي توجد بها أقدم المعابد وأكثرها روعة وجمالاً.
أما هيروشيما - المدينة الحزينة - فهي المدينة التي لا تكتمل بدونها زيارة اليابان. وفيها ميدان السلام الذي يملأ النفس راحة وسكوناً بجمال حدائقها الخضراء المزدهرة وعلى جانبها أحد المباني التي دمرتها القنبلة الذرية عام 1945 وهي على حالتها تقف شاهدة على المأساة. وفي الطرف الآخر متحف السلام. عند مدخل المتحف تجد مسجلاً صغيراً بسماعات صغيرة تتضمن تسجيلاً كاملاً لقصة الحرب العالمية الثانية وحكايات كارثة القنبلة الذرية باللغات المختلفة. ساعات تمضيها داخل هذا المتحف وأنت لا تسمع ولا ترى إلا المأساة مجسمة من الألف إلى الياء. أمام عينيك بقايا القنبلة التي ألقيت على هيروشيما ونجازاكي وأمامك الجثث المحنطة للأطفال والنساء وأجسامها التي انسلخت جلودها ، وأشلاء متناثرة وبقايا وجوه تسمع صراخها وأنينها تماماً وكأنك في هيروشيما نهار السادس من أغسطس 1945.
متعة السياحة في اليابان - في تقديري - هي السفر بالقطارات السريعة التي تتجه من محطة طوكيو إلى الشمال والجنوب والشرق والغرب. فالقطارات السريعة أشبه بالطائرة في كل شيء غير أنها على الأرض. وتشدك السهول الخضراء التي تعبرها القطارات والإنفاق الطويلة تارة تحت الجبال وأخرى تحت البحار. فالقطارات تمر بك وسط الجبال والغابات الملونة وتعيش ساعات تمر سريعاً وكأنك تشاهد عرضاً سينمائياً شيقاً. ورغم وفرة الرحلات الجوية إلا أن القطارات تظل هي الأسرع والأكثر جاذبية والأقل تكلفة.
ولهواة تسلق الجبال والتزلج على الجليد فهناك جبل "فوجي" أعلى جبال اليابان أكثرها شهرة واحتراماً في اليابان، والذي لا يجوز النطق باسمه دون إضافة لقب الاحترام "السيد فوجي" Fuji San. أما جبال ناقانو الباردة فهي الأكثر شهرة في الألعاب الرياضية الشتوية ، وتجد الشباب يشدون الرحال إليها في الشتاء حيث تقام المنافسات الدولية والمحلية. ولكن هنالك الكثيرون الذين يتجهون إليها للاستمتاع بالشتاء والبرد القارس ومأكولاتها ومشروباتها الممتعة في وقتها.
في العاصمة طوكيو دروب للسياحة. وطوكيو أشبه بدولة بمساحتها الشاسعة وضواحيها الممتدة. وقد هيأ لها موقعها الجغرافي ظروفاً سياحية غنية وممتعة. خليج طوكيو والنفق البحري ، وبرج طوكيو في وسط العاصمة ، حدائق القصر الإمبراطوري المحصنة بأسوارها المائية العتيقة ، جبل "تكاو" وحولها الينابيع والحمامات الساخنة ، معابد الشنتو في أكاساكا وهراجكو ، ملعب طوكيو المغلق للبسبول وديزني لاند وغيرها من مناطق للسياحة والراحة والاستجمام. طوكيو وحدها تكفي وتلبي كل متطلبات السائح ، إذا أدرك المرء دروبها وحدودها. طوكيو بمدنها الرئيسية ، البالغ عددها (26) مدينة لها نكهه خاصة ، لأن كل مدينة من مدنها تتميز بخصائص ومعالم خاصة. ومن مدنها "سنجكو" التي تتجمع فيها أعلى الأبراج التجارية مثل برج سوميتومو ومباني حكومة طوكيو ذات الـ (48) طابقاً. وتتوسط "سنجكو" أكبر محطات القطارات السريعة والسريعة جداً والعادية. وحول المحطة عدد لا يستهان به من الفنادق الراقية والمحلات التجارية الكبرى. ومع ذلك يطلق اليابانيون عليها المدينة القذرة Dirty City لكثرة حاناتها ومسارحها وصالاتها الليلة وأماكن ألعاب القمار الكهربائية "الباشنكو". وعلى مقربة منها نجد مدينة "شيبوبا" المعروفة بمدينة الشباب. حيث يمضي فيها طلاب وطالبات المدارس أمسياتهم الصاخبة في المطاعم وغرف الغناء (كراوكي) وصالات الاحتفالات الجماعية. وتضم المنطقة الواقعة حول محطة قطار "شيبوياً" عدداً من المطاعم وحانات الشرب ومحلات "المساج" التدليك وصالات "الباربكيو" ومختلف أنواع الأطعمة المحلية والعالمية. أما مدينة "روبونقي" فهي مدينة المراقص الليلة (الديسكو) وقِبلة الأجانب،وهواة الليالي الصاخبة، خاصة بعد أن قفزت هذه المدينة بمجمعاتها ومراكزها التجارية المتعددة الطوابق، لتصبح "روبونقي" في عام 2010 أكبر منافس لمدينة سنجكو ومدينة جنزا. وتمتاز "روبونقي" رغم ازدحامها بالمطاعم الفاخرة المؤسسة على النظام الغربي والتي تعمل على مدار الساعة، حيث لا تعرف ليلها من نهارها. وإذا اتجهنا نحو قلب طوكيو ومركزها نجد مدناً أخرى ذات نكهة مختلفة ومنها "أكاساكا متسكوكي" والتي تحتكر لياليها بواسطة رجال المال والاقتصاد وكبار المسؤولين. وهناك مدينة شيمباشي وهيبيا وجنزا أغلى مدن الدنيا وقِبلة أرقى البيوت التجارية ومقار شركات الموضة ومعارض المنتجات الفاخرة. ولجنزا ولياليها تاريخ وقصص وأغاني يتغنى بها اليابانيون من خلال الألحان الشعبية القديمة. كانت جنزا مسرحاً لقصص الحب ولقاءات العشاق وحكايات بنات القيشا مع مشاهير اليابان من السياسيين والعسكريين ورجال المال وغيرهم.
لهواة التسوق نقول أن جميع المدن اليابانية أسواق ومعارض ، وأكثر ما يطمئن المتسوق ثبات الأسعار وجودة المعروض من السلع وأمانة التجار. الأسعار في الأسواق اليابانية هي الأسعار ولا مجال للمساومة أو الغش. ولكن هنالك تنزيلات وتنزيلات حقيقية لا وهمية ، لأنها تتم تحت رقابة حكومية مشددة. ويلاحظ أن السلع المعروضة على درجة عالية من الجودة سواءً كانت سلع يابانية او صينية او كورية. فالمصنوعات التي تصل إلى اليابان من دول آسيا تختلف عن تلك التي تصل إلى الأسواق العربية من حيث جودتها النوعية. مع كثرة الأسواق وانتشار المعارض والمخازن الكبرى، هنالك أيضاً تخصصات ومن أكثر الأسواق تخصصاً أسواق "أكيهابارا" للإلكترونيات التي تقع على طريق شوا. مدينة الإلكترونيات في أكيهابارا - في تقديري- هي أكبر أسواق العالم للإلكترونيات ، إذ تضم هذه الأسواق المتخصصة معارض متعددة الطوابق ويختص كل طابق بنوع معين من الإلكترونيات. في أيام العطلات يغلق الشارع الرئيسي ويملأ بالصناعات الجديدة من أجهزة الحاسوب، لعب الأطفال ، المعدات الكهربائية المنزلية الواردة من مختلف المصانع اليابانية الداخلية والخارجية. والزائر لمعارض "أكيهابارا" يتعرف على الأجهزة والمعدات الإلكترونية التي تصل إلى الأسواق العربية بعد ثلاثة أو عشر أعوام. على مقربة من طوكيو توجد مناطق سياحية ومناظر طبيعية وملاعب الأطفال نذكر منها جبل "تاكاو" وملاعب "يوميوري" وديزني لاند طوكيو التي تقع في محافظة شيبا المجاورة لطوكيو ونكو. فالحديث عن السياحة يطول ولكن نخص بالذكر إحدى مناطق السياحة القريبة من طوكيو وهي منطقة "هاكوني".
منطقة هاكوني السياحية:
اخترنا منطقة "هاكوني" السياحية كنموذج للمناطق السياحية العديدة لتنوع مساراتها وتعدد مكوناتها من البحيرات والجبال والجبال البركانية والغابات ووسائل التنقل ، علاوة على قربها من العاصمة طوكيو. وأي زائر لمدينة طوكيو يمكن أن يمضي يوما ممتعا في البرنامج السياحي اليومي وبتكلفة مالية مناسبة. تبعد هاكوني عن مدينة طوكيو حوالي (1000) كيلومتر ويقطع القطار السريع جداً "شنكان سن" هذه المسافة في أربعين دقيقة بينما يستغرق القطار العادي السريع ساعة ونصف الساعة. أما إذا بدأت الرحلة من محطة سنجكو فتستغرق الرحلة (70) دقيقة بالقطار السريع ذو اللون البرتقالي المشهور بالعربة الرومانسية Romance car المخصص للسياحة. تذكرة حرة قيمتها (50) دولارا تحصل عليها من محطة سنجكو أو طوكيو تمكنك من استعمال القطارات المذكورة التي تقلك إلى منطقة هاكوني وتتجول في مسارات برامجها السياحية وتعود بها مساءا نفس اليوم – أو بعد أكثر من يوم إذا شئت- إلى مكانك الذي تحركت منه في سـنجكو أوطوكيو . ينقـلك القطار السـريع إلى محطـة "أودو وارا" مدخل منطقة هاكوني السياحية. عندما تهبط من القطار السـريع تجد قطارا كهربائيا في انتظارك لتصعد بك إلى محطة يوموتو (12 دقيقة) ، على ارتفاع (530) مترا ثم تنتقل إلى العربة الكهربائية التي تتسلق الجبال حتى محطة نكاقورة على ارتفاع (636) ثم إلى "ساوندان" على ارتفاع (767) مترا ومن هناك تستقل العربات المعلقة على الحبال Rope Car ، لتأخذك من قمة جبل كامي إلى قمة جبل كاموقاتاكي. وبين الجبلين تحلق بك العربة على ارتفاع (1009) مترا وتشاهد من هناك البراكين الحية التي تنبعث منها الأدخنة الكثيفة. ومما يثير الدهشة تلك المعجزة التي شيدت بها الأعمدة الحديدية التي علقت عليها العربات بحبل حديدي طوله 4035 مترا. علما بأن الخط تم تشييده عام 1935 أي قبل أن تتوفر التقنيات الحديثة في اليابان. تستغرق رحلة العربات المعلقة بين قمم الجبال (28) دقيقة. وعندما تهبط في منتصف الطريق تجد الحدائق والفنادق والمطاعم وبعض الآثار القديمة. وتتميز هذه المحطة – رغم رائحة السلفات (كبريتيد الهايدروجين) الناجمة عن البراكين الحية – بطقسها البارد وأمطارها الخفيفة وغاباتها الخضراء. وهنا تجد البحيرات التي تفوق درجة حرارتها (400) درجة فهرنهايت ويمكنك الاستمتاع بتناول البيض الأسود. بوضع البيض في مياه البحيرة ، حيث تستوي البيضة في طرفة عين وينقلب لونها الأبيض إلى الأسود.
تتواصل رحلة العربات المعلقة لتهبط بك إلى شاطئ بحيرة آشي وتجد الباخرة في انتظارك وتتجه بك إلى الطرف الآخر من البحيرة التي تسمح لك بمشاهدة سلسلة من الجبال التي تعتبر الأكثر شهرة في اليابان ويتوسطها جبل فوجي أعلى جبال اليابان (3776) متراً. تنتهي الرحلة البحرية في "هاكوني القديمة" ومنها تنقلك الحافلات السياحية إلى إدووارا حيث القطار السريع Romance car الذي يعيدك إلى حيث بدأت في طوكيو. ويجوز للسائح أن يعود في نفس اليوم أو يبقى في إحدى المحطات ليواصل برنامجه في اليوم التالي وكل ذلك في نطاق التذكرة الحرة Free Pass .
التعليقات