من وصايا لقمان الحكيم لابنه: يا بني ما ندمت على السكوت قط، يا بني إذا افتخرت الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك، يقول اللسان كل صباح وكل مساء للجوارح: كيف أنتن؟، فيقلن بخير إن تركتنا.
هل يعد الصمت فضيلة في زمن كثر فيه الكلام؟، واصبحت كثرة الحديث و(الهلفطة) سمة من سمات الحضور ووسيلة من وسائل النجاح والتميز. فهل قلبت الموازين! وأصبح قليل الكلام منطوي ومعقد نفسيا؟!
علميا ثبت ان الضوضاء تحفز انتاج هرمون(الكورتيزول) المسؤول عن الشعور بالإجهاد وزيادة مستوى التوتر والقلق المؤدى في أحيان كثيرة لقلة النوم والصمت يحد منه. وان الصمت يساعد على الاسترخاء الذي بدوره يعمل على انخفاض معدل ضغط الدم وزيادة تدفق الدم الى الدماغ فيزيد القدرة على التركيز وأيضا يحفز نمو خلاياها التي لها صلة بمهارات التعلم والتذكر.
ويقول علماء النفس ان الصمت والقدرة على التحكم في المشاعر والانفعالات يمنح النفس هدوء وسلام وثقة. وان كثرة الكلام يعد اهدار للطاقة. لكن الصمت نوعان صمت إيجابي وهو الامتناع عن اللغط بهدف الهدوء والتأمل والسلام النفسي وصمت سلبي وهو صمت مرضى ككبت المشاعر السلبية كنوع من الاستسلام أو الصمت لمعاقبة الأخر.
وجاءت تعاليم الله بالقول الفصل السابق لكل العلوم. فقد ذكر في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين على كرم الله وجهه انه قال عدة حكم عن الصمت منها:" لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ“، "بكثرة الصمت تكون الهيبة"، "إذا تمّ العقل نقص الكلام".
وقد فسر السلف الصالح بانه هناك نوعان من الصمت: صمت محمود وهو الصمت عن الباطل والغيبة والنميمة وقول البذاءة وصمت مذموم وهو الصمت عن قول الحق وكتم العلم.
وعن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرها؟ قلت: بلى قال: طول الصمت، وحسن الخلق فو الذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما".
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أيضا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مِرَارٍ: "رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ".
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَمَتَ نَجَا".
وبذلك نتعلم أن الصمت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومن صفاته.
فعَنْ سِمَاكٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَكَانَ طَوِيلَ الصَّمْتِ، قَلِيلَ الضَّحِكِ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَذْكُرُونَ عِنْدَهُ الشِّعْرَ، وَأَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِهِمْ، فَيَضْحَكُونَ، وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ".
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ".
ولنا فيك يا رسول الله أسوة حسنة.
التعليقات