هل من المعقول أن تتحدث رواية تاريخية بهذا الحجم الضخم عن بعض الفئات من البشروالأحداث والمواقف التي عاشتت في العصر المملوكي وترعرعت فيه وذلك من خلال بعض الرموز والمصطلحات التي نتداولها كل يوم وكل وقت، وكأن الراوي ينسج لنا قاموسا بلغة السهل الممتنع، فنغوص في مصطلحاته ونربط بينها وبين معانيها البسيطة، لنكتشف أن وراء السطور معاني لاندركها الا إذا تعايشنا معها ،وأن ما نتفوه به بألسنتنا العابرة ماهو الا تاريخ طويل تم نسجه في مئات السنين.
ارتبط في أذهاننا مفهوم كلمة ده راجل أبن ناس أو دي عيلة بنت ناس كفئة معينة من طبقات البشر قد تعلو ولا يعلى عليها، فئة قد توصف بأنها من برج عاجي يصعب الاقتراب منها، وقد توصف بأنها فئة سلكت منهج محدد لتلقي أصول التربية وآداب الذوق الرفيع والإتيكيت ، ولكن لم يتفق في المطلق من هم المقصودون بأولاد الناس وهل يمكن تصنيفهم كفئة أنقرضت في عصرنا الحالي بأعتبار أن أولاد الناس هم مجموعة من البشر مرتبطين بفترة محددة من التاريخ ، وإذا صدق القول بأن هذه الفئة قد أندثرت في غياهب النسيان ضمن حقبة سحيقة في زمن ولى وأندثر، فهل يعني ذلك أنهم ليسوا بيننا الآن ؟ ـ وإذ لم يصدق هذا القول الجائر فمن المؤكد وجود معايير محددة لإطلاق هذا اللقب على فئة معينة من أجناس البشر، فمن هم هؤلاء عبر التاريخ وماهي معايير تصنفيهم بمصطلح أولاد الناس.
مصطلح آخر ورد بكثرة في ثنايا الرواية ويعرف بخيال الظل وقد لايعرف الكثير ماهو المقصود منه تحديدا ، ومن باب التعريف بهذا المصطلح الذي نتداوله كثيرا، فهو فن شعبي مكون من دمى مصنوعة بشكل يدوي بسيط وتتحرك بشكل عشوائى من خلف ستارة رقيقة في مسرح مظلم ، ويتم تلسيط ضوء خافت على هذه الدمى من وراء الحلبة فيظهر ظلها على الشاشة وهي تتحرك على إيقاع نص مقروء مع موسيقى ، فمن هم هؤلاء الدمى عبر التاريخ وما المقصود من وصفهم بهذ الشكل الهزيل والى أي مدى يتضح تأثيرهم في سطر صفحاته ، وكيف يمكن لأناس أعتبرناهم خيالا أن يكون لهم هذا التأثير في مجريات الاحداث التي مازالت محفورة في أذهاننا الة وقتنا الحاضر؟
تخوض الكاتبة ريم بسيوني من خلال ثلاث فترات متباينة تدور كل منها في إطار تاريخي يعكس وراءه الوضع الديني والاجتماعي والسياسي والتاريخي لمصر وأولاد الناس بها في تلك الحقبة من الزمن التي سيطر فيها المماليك على الحكم بعد انتهاء الحكم الأيوبي. وماا لاشك فيه أن آثار الحكم المملوكي الذي لا زال حتى يومنا هذا تختلط النظرة بشأنه فمن جانب يراه البعض ويؤرخ له كحكم محتل لمجموعة من العبيد الذين تم جلبهم من أماكن عدة إلى مصر وهم أطفال فتدربوا كجنود وتابعين لسلاطين وأمراء مارسوا التسلط على المصريين ، ومن جانب لا يمل المصريين عن ذكر انتصارات المماليك على التتار والصليبيين وكيف حموا مصر من غزواتهم على مدار قرون إلى جانب أثرهم المعماري والتعليمي والخيري في بناء المساجد والمدارس والأسواق والمشافي. ولذا يبقى مسجد السلطان حسن وقصة بناؤه وحضوره في تاريخ تلك المرحلة رابطاً هامًا عبر الأجزاء الثلاثة وتم اختياره لكونه أهم مسجد في تاريخ المسلمين من حيث المعمار والمساحة والحجم وتكلفة البناء إلى عصرنا هذا..
ثلاثية المماليك رواية ذو طابع تاريخي في عمل روائي مكون من ثلاث فترات منفصلة في العهد المملوكي ،فالرواية الأولى تقع في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون (أزهى عصور دولة المماليك الأولى – دولة المماليك البحرية)، والثانية تقع في عهد السلطان برقوق (مؤسس دولة المماليك الثانية – دولة المماليك البرجية الشراكسة)، والثالثة تقع في عهد السلطان طومان باي (وقت الدخول العثماني لمصر وسقوط دولة المماليك الثانية).
التعليقات