طوال عمري أفضل الحياة من خلال الأيام المزدحمة.
يسعدني النهار الممتلئ الذي يبقيني أكثر انشغالا ويحول بيني وبين أوقات راحتي وفراغي. اختار أن أقيم جسدي من خلال دقائق معدودة أشحن بها طاقتي لمزيد من ملء فراغ اليوم.
أُفضل الليل القصير لأنعم بعدد ساعات قليلة من النوم. كما أسعد بدخول فراشي منهكة لأستحِق ذلك القسط من الراحة.
لست أقسو على نفسي ولكن الأيام المزدحمة تُبقي الإنسان بعيدًا عن كل ما يسحب من روحه نداوتها.
لو امتلكت الوقت لتسأل نفسك هل أنت سعيدًا أم لا، لن يعجبك ما ستصل إليه؛ ففي باطن كل امرئ شخص آخر لا يعرفه.
كل ما عليك أن تبقى حيًا في حاضرك متوكل في غدك وغير آسف على ماضيك.
اعتدت أن أزحف داخل مشاعر عدم الرضا أو القلق بداخلي، فهذا ينبهني لما احتاجه من تغيير. لا يمكن لأحد أن يجعلك أفضل ما لم تكن لديك أنت الرغبة الجلية لفعل ذلك.
لذلك كان إبقاء عقلك مشغولا طوال الوقت هو سلاحك الآمن لتَلافَى معوقات الحياة من حولك.
ولعل وعيك بحقيقة الموت أفضل ما يعطيك أسباب السعادة؛ فالله يستمر قريبًا بداخلك إذا دأبت على التمسك بحضوره.
وهذا ما يؤخر فنائك من الحياة.
تعلمت بالفطرة أن بقائك منشغلا هو ما يبقيك حيًا، وأنه يجب عليك التمسك بخَلْق جدول أسبوعي مزدحم، وأن ملء الفراغات البينية في ساعات يومك بشئ مبهج أو شخص لطيف أو مكالمة حانية أفضل من سفرك للترويح عن نفسك، وأن نجاحك لا يتوقف سوى على فعل كل ما سبق بمنتهى اللطف والمثابرة والمهارة.
الحقيقة أن أحزانك تتقلص كل يوم وباستمرار، وأنه يحتمل أن بقاءك حزينًا لفترة طويلة من عمرك لا يعني سوى أنك اعتدت ذلك ولم تنتبه.
فراغك هو شيطانك الأول لأنه يجعلك تجد الوقت اللازم لتبحث عن من يكون عدوك.
أتصور الحياة كوب زجاجي كبير يحوي أحجارًا كبيرة الحجم ملونة تخالطها أحجار أصغر حجمًا وتمتلئ المسافات البينية بينهم بحبات من الرمال متفاوتة الأحجام. فإذا سكبت الماء على كل ما سبق يمتلئ الكوب تمامًا عن آخره أليس كذلك؟
وقت فراغك هو العرق المتصبب من جبينك وأنت تسعى لملء ذلك الفراغ لتكون من خلاله ذاك الإنسان المجتهد.
في علوم التربة والنباتات يُتداول مصطلح يسمى "الماء الهيجروسكوبي": وهو الماء الذي يوجد على هيئة أغشية رقيقة حول حبيبات التربة بعد تجفيفها في الهواء، ويكون مَمْسوكا بقوة شد سطحي كبير حول حبيبات التربة ومن ثم لا تستطيع النباتات الاستفادة منه.
يتصور البعض أن ذلك الماء الغير متاح قادر على سد ظمأ نباتاتك. لا يا سيدي تحتاج لملء تلك الفراغات بمياه صالحة للشرب حتى يزول العطش.
وهذا ما تفعله بالضبط إذا استثمرت كامل وقتك.
انشغل بنفسك أولا، فنحن نادرًا ما نشعر أن كل ما يدور من حولنا يصب في مصلحتنا؛ لأننا لم نمتلك بعد البصيرة الكافية للتأكد من ذلك.
غير المتوقع دومًا يحدث، لكننا نيأس قبل لحظات قليلة جدًا من الوصول إليه.
فمن يكون قادرًا على التحكم في وقته تلاحقه أهدافه ويغزو دنياه بشغف ونجاح.
هنا يا صديقي تتحول كل خساراتك إلى مكاسب!!
تعطيك الحياة بسخاء إذا وضعت نصب عينيك التواجد بقوة والسعي بدأب.
والفشل لا يعني أنك لم تنجح بل يعني أن تلك المحاولة لم تكن تكفيك للوصول لهدفك. اسعى مجددًا!
تخيل من يوم ولادتك أن هناك ساعة رملية تعد عليك عمرك بالثواني فهل ستقف مشدوها وأنت تترقب موتك؟ أم تضعها نصب عينيك وتصنع من تلك الثواني كل ما تحب أن يبقى من خلالك ومن ثم يُنتفع به من بعدك.
مارس هواية في صغرك وكبرك، اصنع الود مع وفي من تحب، اعمل وتعلم وارتق، تجاهل كل الأنوف والأعين التي تنظر على نافذتك واجعل نهاية وقوفهم حسرة وهم ينظرون إلى شئ يعجزون عن صنعه وتحقيقه، ثم لا تلتفت.
أنت ساعتك الرملية التي لا تراها، فاصنع يوميًا صباحًا ومساءًا أوقاتًا أنيقة ومختلفة تستحق كل جهدك ومثابرتك وصبرك في هذه الحياة.
التعليقات