"انقلب العالم رأسا على عقب: ما كان حقا بالأمس أصبح اليوم باطلا، وما كان لا أخلاقيا ومعيبا (كالزنا والإجهاض، والقتل الرحيم) أصبح اليوم تقدميا ومحل تقدير، فالقيم القديمة صارت معاصي والمعاصي باتت فضائل، وهو ما يهدد بفناء البشر وانهيار الحضارة.. ليس هذا كلام عالم دين أزهري ولا شيخ سلفي ولا عظة قسيس ولا حاخام، وإنما كلام سياسي ومفكر أميركي مرشح سابق لرئاسة الولايات المتحدة.
ولم يقل ذلك في احتفال ديني ولا حملة سياسة وإنما في تقديمه لكاتب يحذر فيه من الثقافة التي سادت في المجتمعات الغربية وبدأت تنتشر في بقية العالم وتدعو الى أن تحل (آلهة السوق) محل الأديان.
أنه باتريك جيه بوكانان الذي عمل مستشارا لثلاثة رؤساء أمريكيين وهو كاتب لعمود صحفي في عدد من الصحف الأمريكية، ومؤسس لثلاثة من أشهر برامج التلفزيون في قناتي: إن بي سي، و سي إن إن الأمريكيتين ومؤلف للعديد من الكتب منها: يوم الحساب، وحالة طارئة، وعندما يصير الصواب خطيئة، بالإضافة إلى الكتابين الشهيرين:(محق منذ البداية وجمهورية لا إمبراطورية) وهما من أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة.
أما هذا التحذير فقد ورد في كتابه) فناء الغرب) الذي ترجمه د. إبراهيم مطر. يصف باتريك بوكانان هذه الثقافة، التي يحذر منها في كتابه الاخير، بأنها (ترفض إله العهد القديم وتحرق بخورها على مذابح الاقتصاد العالمي)
ويتساءل: هل ستثبت الثقافة الجديدة (التحررية) أنها المادة المسرطنة الأكثر خطرا على الإطلاق؟ وإذا كان الغرب واقعا في (ثقافة الموت) كما تظهر الإحصائيات، فهل الحضارة الغربية على وشك النهاية المشينة؟
ويحذر من فناء الغرب بسبب الموت الأخلاقي والموت الديمجرافي معتبرا ان الموت الأول سببا للثاني، ويرى ان الأوروبيين اصبحوا جنس آيل للزوال، مشيرا الى تراجع نسبة عدد المواليد هناك، حيث اصبح عدد التوابيت في الغرب أكثر من عدد أسرة الأطفال. ففي العام 2000 كان اجمالي عدد سكان اوروبا من (ايسلندا الى روسيا) 728 مليون نسمة ولكن بحسب الولادات الحديثة وبدون الهجرة الجديدة سيهبط عدد السكان إلى 600 مليون بحلول عام 2050 بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
ويرى أن السبب الرئيسي لأفول الغرب وفنائه وهو الثورة الثقافية التحررية السائدة حاليا التي تدعو الى الانفلات من معظم القيم بل أنها تدعو إلى ما يمكن تسميته )دينا جديدا) يرفض الاعتراف بأي سلطة أخلاقية،
وتزعم هذه الثقافة أو الدين الجديد، أن "الغيب خرافة وأن الحياة تبدأ وتنتهي هنا والهدف منها هو سعادة البشر في هذا العالم" وأن كل العلاقات الجنسية الطوعية مسموح بها، وليس من حق الفرد أو الدولة منع تلك العلاقات، وأن النظام الأخلاقي الذي جاءت به الأديان، والذي يدين الممارسة الجنس خارج نطاق الزواج والشذوذ الجنسي، يعبر عن تعصب وتقاليده بربرية!! وهكذا تحل هذه الثقافة التي يسمى (دين الإنسانية) محل تعاليم الأديان السماوية.
ومن الناحية السياسية يؤمن هذا الدين الجديد بالعالمية ويحذر من الشعور الوطني، معتبرا أن حب الوطن المفرط يؤدى الى الشك في الجوار وبالتالي اندلاع الحروب!!
العجيب ان ابرز دعاة هذا الدين الجديد كانوا أول من تنصل مما يدعون إليه، فقد كان من أبرز دعاة هذه الثورة الثقافية التي بدأت في ستينات القرن الماضي فرقة البيتلز(الخنافس) وأصبحت الأكثر شهرة في العالمي بوجود جون لمون أكبر شعراء لذلك الجيل، والذي وصف نفسه بأنه(اشتراكي بالفطرة) ومع ذلك اكتشفوا عقب وفاته أن ثروته بلغت 275 مليون دولار!!
أما السبب الآخر الذي يرى المؤلف أنه سيؤدى إلى فناء الغرب فهو تقلص عدد السكان نتيجة لتراجع عدد المواليد والذي يعتبر إحدى تداعيات هذه الثورة الثقافية التي تؤمن بالحرية الجنسية، ويوضح ان من ثمار هذه الثقافة أن نسبة الولادات غير الشرعية ارتفعت خلال الفترة من 1962 الى 2000 في كندا إلى %31 وبريطانيا 38% ، وفرنسا 36 %.
وينبه إلى توقفت شعوب الغرب عن الإنجاب، وأصبحت أعداد الوفيات هناك أكثر من الولادات! حيث كان الأوروبيون يشكلون ربع سكان العالم في عام 1960 بينما أصبحوا في العام 2000يشكلون السُدس وسيشكلون العُشر في العام 2050 .
التعليقات