* المحام الذي قدم بلاغاً ضد منى زكي وفيلم «أصحاب ولا أعز» هو نفسه الذي قدم البلاغ ضد أحمد حلمي وفيلم «واحد تاني» !
* بطل الفيلم نموذج لأجيال عديدة افتقدت «الشغف» ولما استيقظت اكتشفت أن أحلامها دُهست وطموحاتها أُجهضت
* احتفاء الفيلم بشخصية «إكس» لم يجعله ينتصر لنزقه ومجونه وطيشه بل تعاطف مع إنسانية «مصطفى» وانتصر للخير الكامن داخل الإنسان
هي المرة الأولى، في رأيي، تلك التي يُؤخذُ فيها ممثل بجريرةِ زوجته؛ فما يحدث من هجوم غامض على الفنان أحمد حلمي، عقب عرض فيلم «واحد تاني»، في سابقة ليس لها مثيل، حتى في أفلامه التي لم يرض عنها البعض، والذي وصل إلى حد تقديم بلاغ للنائب العام، يُطالب باستدعاء صناع الفيلم للتحقيق معهم، تمهيداً لتقديمهم لمحاكمة عاجلة، بتهم الترويج للشذوذ الجنسي، ومنع عرض الفيلم، وسحب نسخه من دور العرض، يبدو، وكأنه الجزء الثاني من مسلسل الهجوم على منى زكي، التي شاركت في بطولة فيلم «أصحاب ولا أعز»، واستكمال لحملة الكراهية نفسها؛ بدليل أن «البلاغ» تضمن ذات الاتهامات، وبنص العبارات تقريباً؛ مثل : «احتواء الفيلم على إيحاءات جنسية لا هدف لها سوى الترويج للمثلية الجنسية، وتدل على أن الحرب على ثقافتنا وأخلاقنا مستمرة، وتحمل دعوة لنشر الرذيلة والفسق بين شبابنا، والانطلاق من السخرية لدعوة الأسوياء إلى مساندة أمور الشذوذ، والاعتراف بها، وكأنها جزء من ثقافتنا، ونسوا أو تناسوا أن تلك الأفعال مُحرمة، ومُجرمة، ويُعاقب عليها القانون» !
المفاجأة، بل القنبلة المدوية، ليست في البلاغ، الذي تضمن نفس الديباجة، التي استهدفت فيلم «أصحاب ولا أعز»، وكذلك الحيثيات، التي جاءت في الدعوى القضائية التي قُدمت ضد منى زكي، بل تمثلت في أن المحامي، الذي تقدم بالبلاغ ضد أحمد حلمي، وفيلمه «واحد تاني»، هو نفسه الذي قدم، من قبل، البلاغ الشهير ضد منى زكي وفيلمها «أصحاب ولا أعز» !
المُثير، أيضاً، أن البلاغ الجديد تضمن اتهاماً لصناع فيلم «واحد تاني»، بالاعتداء على المال العام، وطالب ب «تقديم كشف حساب عن المبالغ المدفوعة لنقابة الممثلين من حصيلة الإعلانات المُقحمة في الفيلم»، وإصدار «أمر بمنع المشكو في حقهم من مغادرة البلاد، واتخاذ اللازم قانوناً» !
«الشغف» في حياتنا
بدلاً من أن يستيقظ «مصطفى زيادة» (أحمد حلمي)، ذات يوم، على الحياة، وقد ضاعت من بين يديه، قادته الظروف إلى اللقاء، الذي نظمته حبيبته السابقة «فيروز الألفي» (روبي)، لأبناء دفعته الدراسية، ولحظتها أدرك أن أحلامه دُهست، وطموحاته أُجهضت، بعد ما انتهى به الحال موظفاً عن تاهيل المساجين، في منطقة قطاع غرب بمصلحة السجون، ومن ثم صار مهيئاً، في قرارة نفسه، للاقتناع بنصيحة «جاسر» (أحمد مالك)، صديقه وشقيق حبيبته، حول أهمية «الشغف» في حياتنا، وضرورة أن ينفض عن نفسه ركام «الكنبة»، التي نالت منه، وتراب «الميري»، الذي قضي عليه؛ كعازف «درامز» موهوب، وكاتب قصص مصورة «كوميكس»، كان يُنبيء بالكثير، ووافق، رغم ضخامة المبلغ، على إجراء العملية، التي يقوم خلالها الدكتور «علوان» (سيد رجب)، بزرع «لبوسه مضيئة»، أشبه بطلقة الرصاص، اسفل سلسلة الظهر، تتيح لمن يبذرها، في جسده، استعادة «الشغف» !
فكرة مثيرة، حتى لو قيل إنها مقتبسة، بتصرف، من فيلم أمريكي؛ فالمهم أن تشعر بصدقها، وأنك، وسائر أبناء جيلك، والأجيال السابقة واللاحقة، بالفعل، في حال فقدان دائم للشغف، وفي حاجة لمن، وما، يبث فيك روح الحماس حيال شيء ما أحببته ثم أهملته، بدلاً من أن تستسلم للشعور بالفتور، والخمول العاطفي والجسدي، وعدم الاهتمام، وغياب الإلهام، والاكتئاب، وربما غياب الرغبة في الحياة. ولعل ما زاد من إثارة الفيلم أن العملية لم تنجح بالشكل المطلوب، وتسببت في أعراض جانبية؛ أهمها أن الجسد الواحد للبطل أصبح متعدد الإدراك، أو ما يُسمىSingle-Body Multi-Consciousness ، يتقاسمه «مصطفى» و«إكس» (الفكرة المقتبسة من الفيلم الأمريكي)، لكن اختيار «إكس» تحديداً ليُشارك «مصطفى» كان ذكياً للغاية، من جانب هيثم دبور كاتب الفيلم؛ فهو الاسم المستعار، الذي كان يوقع به «مصطفى» مسودات قصصه المصورة، وهو لقبه الذي اشتهر به أيام كان متدفقاً بالحماسة، ومحل إعجاب أقرانه، ولهذا عادت «فيروز»، بعد طلاقها، لتقع في غرامه، بينما انبهرت به «شيرويت» (نور إيهاب)، إبنة الجيل الجديد، قبل أن تُدرك خواء شخصيته، وزيفه، مقارنة برصانة، ورجاحة عقل، «مصطفى؛ فالفيلم، رغم احتفائه بشخصية «إكس»، وتأكيده على أهمية «الشغف»، كسبيل لاستعادة حب الحياة، إلا أنه لم ينتصر لنزق، ومجون، وطيش، واندفاع «إكس»، وتعاطف مع إنسانية «مصطفى»، الذي لا يتوانى عن تقديم يد الدعم والمساعدة، كما حدث مع «أدهم» (محمود حافظ)، الذي حال بينه وإنهاء حياته (المشهد الذي قيل زيفاً وبهتاناً أنه يروج للمثلية الجنسية !). والانتصار للخير الكامن داخل الإنسان، واستهجان الشر، مهما كان بريقه (تشجيع «فيروز» للعودة إلى الغناء، والانحياز ل «القط» (عمرو عبد الجليل) رغم ملايين «الزط» (عبد الجليل برضه)، ورفضه ألا يكون غير نفسه (رفض أن يبيع موهبته في كتابة «الكوميكس»)، وخوفه من التغيير، الذي يجعله يُحجم عن خوض المغامرة، رغم ما يملكه من قدرة على الخلق، والإبداع، مثلما فعل مع «شيرويت»، خريجة إدارة الأعمال، التي تعاني من الوصاية، والديكتاتورية الأبوية، ونصائحه لها، التي هي رسائل «واحد تاني» : «الأهم من انك تلاقي شغل انك تلاقي نفسك» و«اعملي اللي عاوزاه وبتحبيه» . وأخيراً ضرورة وجود باعث، ودافع، لمقاومة منغصات الحياة .
إبداع غائب
مقارنة بفيلم «هاتولي راجل» (إنتاج 2013)، يمكن القول إن المخرج محمد شاكر خضير لم يُحقق الغاية المرجوة من فيلم «واحد تاني»؛ فبإستثناء استدعاء صوت أم كلثوم، وهي تغني مقطع : «وصفوا لي الصبر» من أغنية «ودارات الأيام»، أثناء رحلة تيه البطل في الصحراء، التي أضاف جمالها، ورحابة أفقها، ثراءً للصورة (مدير التصوير بيشوي روزفلت)، ورقة، وطرافة، المشهد الذي زارت فيه «فيروز» حبيبها «مصطفى»، في مكان عمله بمصلحة السجون، فكان اللقاء أشبه بزيارة أهالي المساجين؛ حيث فصل بينهما حاجز زجاجي، وانتهى بصيحة السجان الشهيرة : «الزيارة انتهت»، بالإضافة إلى مشهد «مصطفى»، وهو ينفض لتراب عن «الدرامز»، وكأنه ينفضه عن نفسه، التي دُفنت طويلاً، لم يتميز «خضير» بالشكل المتوقع؛ سواء كمخرج لديه ما يُبهرنا به من فنيات، ولا أقصد استعراض العضلات، بل استخراج أفضل ما في جعبة ممثليه، فبإستثناء الصاعدة نور إيهاب، التي جسدت شخصية «شيرويت» بصدق، وتلقائية، لا يكاد يتميز أحد من الممثلين، وكلهم سبحوا في فلك التقليدية، والنمطية !
التعليقات